"لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا* فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا [سورة النساء:172-173].
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس - ا - قوله: "لَّن يَسْتَنكِفَ لن يستكبر"، وقال قتادة: "لن يحتشم".
لفظة "يستنكف" إذا فسرت بالاستكبار فإن هذا تفسير لها بما يقارب معناها، وإلا فإن الله
قال:
وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ [سورة النساء:172] فالاستنكاف يمكن أن يفسر بالأنفة فنقول:
لَّن يَسْتَنكِفَ يعني لن يأنف - والله أعلم -، فكلمة يأنف قريبة من كلمة يستكبر، والكبر معروف، وإذا قلت: فلان يأنف من كذا فالمعنى أنه يترفع عن هذا الشيء، فهذا يمكن أن يفرق به بين الاستنكاف والاستكبار، ومن يقول بالترادف فيمكن أن يقول: إنهما مترادفان - والله تعالى أعلم -.
"الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ولهذا قال: وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا [سورة النساء:172] أي: فيجمعهم إليه يوم القيامة، ويفصل بينهم بحكمه العدل الذي لا يجور فيه، ولا يَحِيف، ولهذا قال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ [سورة النساء:173] أي: فيعطيهم من الثواب على قدر أعمالهم الصالحة، ويزيدهم على ذلك من فضله، وإحسانه، وسَعَة رحمته، وامتنانه.
وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ أي: امتنعوا من طاعة الله، وعبادته، واستكبروا عن ذلك فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا [سورة النساء:173] كقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [سورة غافر:60] أي: صاغرين، حقيرين، ذليلين؛ كما كانوا ممتنعين، مستكبرين".