الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِۦ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا* فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا [سورة النساء:172-173].
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس - ا - قوله: "لَّن يَسْتَنكِفَ لن يستكبر"، وقال قتادة: "لن يحتشم".

لفظة "يستنكف" إذا فسرت بالاستكبار فإن هذا تفسير لها بما يقارب معناها، وإلا فإن الله قال: وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ [سورة النساء:172] فالاستنكاف يمكن أن يفسر بالأنفة فنقول: لَّن يَسْتَنكِفَ يعني لن يأنف - والله أعلم -، فكلمة يأنف قريبة من كلمة يستكبر، والكبر معروف، وإذا قلت: فلان يأنف من كذا فالمعنى أنه يترفع عن هذا الشيء، فهذا يمكن أن يفرق به بين الاستنكاف والاستكبار، ومن يقول بالترادف فيمكن أن يقول: إنهما مترادفان - والله تعالى أعلم -.
"الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ولهذا قال: وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا [سورة النساء:172] أي: فيجمعهم إليه يوم القيامة، ويفصل بينهم بحكمه العدل الذي لا يجور فيه، ولا يَحِيف، ولهذا قال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ [سورة النساء:173] أي: فيعطيهم من الثواب على قدر أعمالهم الصالحة، ويزيدهم على ذلك من فضله، وإحسانه، وسَعَة رحمته، وامتنانه.
وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ أي: امتنعوا من طاعة الله، وعبادته، واستكبروا عن ذلك فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا [سورة النساء:173] كقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [سورة غافر:60] أي: صاغرين، حقيرين، ذليلين؛ كما كانوا ممتنعين، مستكبرين".

مرات الإستماع: 0

"لَنْ يَسْتَنكِفَ [النساء:172] لن يأنف، وكذلك معناه حيث، وقع".

معنى: لَنْ يَسْتَنكِفَ [النساء:172] لن يأنف، أو لن يستكبر.

"وَلا الْمَلائِكَةُ [النساء:172] فيه دليلٌ لمن قال: إنّ الملائكة أفضل من الأنبياء؛ لأن المعنى لن يستنكف عيسى، ولا من فوقه".

هذه مسألة لا يترتب عليها عمل؛ ولذلك الاشتغال، والخوض فيها لا طائل تحته، والعلماء - رحمهم الله - تكلموا في: أيهما أفضل الملائكة، أو صالحي البشر؟ فبعضهم قال: الملائكة، وبعضهم قال: بأن الصالحين من البشر أفضل، وهؤلاء يستدلون بأدلة، وهؤلاء يستدلون بأدلة، ولكن لا يترتب على هذا عمل.

وكما يقول الشاطبي - رحمه الله -: بأن المسائل التي لا يترتب عليها عمل، فإن الاشتغال بها غير محمود، وأنها ليست من صلب العلم[1] فتكون من فضول العلم، وقسَّم العلم إلى صُلب، ومُلح، وفضول، فهذه من فضول العلم.

  1. الموافقات (1/110).