الجمعة 25 / ذو القعدة / 1446 - 23 / مايو 2025
وَلَا تُؤْتُوا۟ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَٰلَكُمُ ٱلَّتِى جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰمًا وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُوا۟ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ۝ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [سورة النساء:6]."
ينهى - سبحانه، وتعالى - عن تمكين السفهاء من التصرف في الأموال التي جعلها الله للناس قياماً، أي: تقوم بها معايشهم من التجارات، وغيرها، ومن هاهنا يؤخذ الحجر على السفهاء، وهم أقسام:
فتارة يكون الحجر للصغر فإن الصغير مسلوب العبارة، وتارة يكون الحجر للجنون، وتارة لسوء التصرف لنقص العقل، أو الدين، وتارة يكون الحجر للفلس: وهو ما إذا أحاطت الديون برجل، وضاق ماله عن وفائها، فإذا سأل الغرماء الحاكم الحجر عليه حجر عليه."

فإن السفيه: هو من لا يحسن التصرف في القضايا المالية، والسفه صفة تلحق الصغير، والكبير سواء، إلا أنها في الصغير أعظم؛ لأنه مظنة لذلك، وبعض أهل العلم يرى بأن الكبير لا يحجر عليه إذا كان المانع سوء تصرفه، والصواب خلافه.
وأما قوله سبحانه: أَمْوَالَكُمُ فيحتمل معنيين:
الأول: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ أي: التي تملكونها خشية أن يفسدوها، ويضيعوها، ويعبثوا بها فتبقوا بعدها في حال تلجئون بسببها إلى الناس.
الثاني: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ أي: أموال اليتامى، وأن السفهاء هم اليتامى الصغار، وإنما نسبت إلى الأوصياء من باب أن الأموال التي يحصل بها التعاطي، والانتفاع، والقيام بشئون الناس هي من جنس واحد يملكه الناس، أو باعتبار أنهم الناظرون عليها، والمتصرفون بها في مصالح اليتيم، أو باعتبار معاملة الجميع معاملة الواحد، أو النفس الواحدة كما قال الله : وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ [سورة البقرة:188] أي: لا يأكل بعضكم مال بعض، وقوله سبحانه: فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ [سورة البقرة:54] أي: فليقتل بعضكم بعضاً، وقوله: ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ [سورة البقرة:85] أي: تقتلون إخوانكم، والمعنى وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ يعني التي جعلها الله في أيديكم، وهي ملك لهم تتصرفون بها في مصالحهم.، وقرينة هذا القول: أن سياق الآية يتحدث عن أموال اليتامى، وحقوقهم، والقيام على شئونهم، وعدم ظلمهم فناسب أن يكون هذا هو المعنى، - والله أعلم بالصواب -.
قوله سبحانه: الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً ذكر أهل اللغة أن في كلمة قِيَاماً ثلاث لغات، وهي: قياماً، وقيماً، وقواماً.
فأما قيماً فهي قراءة سبعية متواترة، وأما قواماً فلم يثبت فيها التواتر، وإنما نسبت لعبد الله بن عمر بن الخطاب ، ومعنى هذه اللغات، واحد على الأرجح، وهو ما تقوم معايشكم به، ومعلوم أن المال هو عصب الحياة، ومن الضرورات الخمس، ولا قوام لحياة الناس إلا به، وإذاً فقد صارت حياة الناس إلى تهارج.
ويرى ابن جرير الطبري - رحمه الله - أن معنى قوله سبحانه: الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً أي: جعلها لكم، ولهم قياماً لكون هذه الأموال أموال اليتامى، وأن المخاطب بالآية الوصي عليهم، وقيل غير هذا.
والأقرب ما ذكر أن معاني هذه اللغات الثلاث واحدة، أي: ما تقوم بها معايشكم، وأموركم، وما أشبه هذا من المعاني، - والله أعلم -.
"وقال الضحاك: عن ابن عباس - ا - في قوله: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ، قال: هم بنوك، والنساء، وكذا قال ابن مسعود ، والحكم بن عيينة، والحسن، والضحاك: هم النساء، والصبيان، وقال سعيد بن جبير: هم اليتامى، وقال مجاهد، وعكرمة، وقتادة: هم النساء."

والإمام مالك - رحمه الله - يقول: السفهاء هم الأولاد الصغار، وما روي عن ابن عباس، والضحاك، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة أن المقصود بالسفهاء في الآية النساء، وبعضهم ذكر الصبيان، فهذا محمول على أن الرجل لا يضع ما ملّكه الله من المال تحت تصرف النساء؛ وعلة ذلك أن النساء غالباً ما يتصرفن فيه على سبيل التوسع في أمور لا تدعو إليها الحاجة، وليس المقصود أن المرأة سفيهة بمعنى السفه الذي يوجب الحجر عليها، بل إن المرأة في الشرع لها الحق أن تتصرف بمالها إذا بلغت، وعلم حسن تصرفها فيه، وكذا اليتيم إذا بلغ سن الرشد، وحسن تصرفه في المال فإنه يعطى ماله بلا فرق بين الذكر، والأنثى.
ورأى النحاس أن السفهاء في الآية ليس المقصود بهم النساء، وذلك لأن النساء لا تجمع على سفهاء، وإنما تجمع على سفيهات، وسفائه، لكن هذا من حيث اللغة لا إشكال فيه؛ لأنه عبر بالذكور من باب التغليب.
والصواب أن قوله سبحانه: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ عام يصدق على كل من لا يحسن التصرف في المال فإنه يحجر عليه، ولا يعطى المال.
"وقوله: وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا - يقول: لا تعمد إلى مالك، وما خوّلك الله، وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك، أو بنيك، ثم تنظر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك، وأصلحه، وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم، ومؤنتهم، ورزقهم."

وعلى المعنى الآخر لا تجعل المال في أيدي من تقومون عليهم من الأيتام، ونحوهم فيضيعونه.
"وقال مجاهد: وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا يعني في البر، والصلة، وهذه الآية الكريمة تضمنت الإحسان إلى العائلة، ومَن تحتَ الحجر بالفعل من الإنفاق في الكساوي، والأرزاق، والكلام الطيب، وتحسين الأخلاق."

القول المعروف ورد في الآية على صيغة لا يفهم منها التخصيص، مما يستوجب على العبد القول الحسن عموماً، فيدخل فيه كل قول حسن طيب من دعاء، وما إلى ذلك، وقد جاء الأمر بالقول المعروف في مواضع عدة من كتاب الله كما قال سبحانه لبني إسرائيل: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً [سورة البقرة:83]، وهذا في عموم التعامل مع الناس، وأولى الناس بالمعاملة الحسنة، والكلام الطيب أقرباء العبد كالزوج، والزوجة، والأب، والأم، والإخوان، والأرحام...
وفي المحتاجين يقول سبحانه: قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى [سورة البقرة:263]، والقول المعروف أي الكلام الطيب، ولما قال الله في سورة الإسراء: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ۝ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [سورة الإسراء:27]، قال بعدها: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا [سورة الإسراء:28]، والمعنى: إن لم تجد ما تعطيهم من فتات الدنيا فلا أقل من أن تسمعهم قَوْلاً مَّيْسُورًا.
وأحسَنَ مَن قال:
إلا تكن ورق يوماً أجود بها للسائلين فإني لين العود
لن يعدم السائلون الخير من خلقي إما نوالي وإما حسن مردودي
والورق هو الفضة عند العرب.
 
 

مرات الإستماع: 0

"وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ قيل: هم أولاد الرجل، وامرأته: أي لا تؤتوهم أموالكم للتبذير، وقيل: السُّفَهاءَ المحجورون."

وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ هذا نهي، والأصل أنه للتحريم، قيل: هم أولاد لاحظ الفرق في المعنى، قيل: هم أولاد الرجل، وامرأته هذا عن ابن عباس، وابن مسعود، والحكم بن عتيبة، والحسن البصري، والضحاك[1] يعني وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ: يعني من تحت يدك أولاد الرجل، وامرأته، باعتبار أن المقصود الأولاد الصغار، أو الذين لا يحسنون التصرف في المال، ليس كل الأولاد بطبيعة الحال، والنساء باعتبار أنهن في الغالب لا يحسن التصرف في المال، فهذا على قول هؤلاء من الصحابة، والتابعين: يعني لا تأتوهم أموالكم، فتكون الأموال حقيقةً على ظاهره المال الذي لكم، فيضيع بسبب سوء تدبيرهم، فلا تمكنهم من هذا المال، لكن أنفق عليهم منه، وتلطف بهم بالكلام، والعبارة، والمخاطبة، لكن لا تضع هذا المال تحت أيديهم فيضيع.

وقيل: السُّفَهَاءَ: المحجورون، وهذا مروي عن سعيد بن جبير[2] وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ لكن نحن عندنا أصل، وهو أنه إذا ثبت التفسير عن الصحابي، فلا نعدل عنه إلى قول غيره، وإن كان ظاهر السياق لا يدل عليه، هذه قاعدة ثبت تفسيرها عن الصحابي، فإنه لا يعدل عنه إلى غيره، ولو كان ظاهر السياق لا يدل عليه، وهنا السياق وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:5] وَابْتَلُوا الْيَتَامَى [النساء:6] سياق في العدل، وحفظ الحقوق، وما إلى ذلك، فحمل ذلك، والله أعلم وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ إن ذلك في اليتامى، قد يقال: سياق الآيات قبله، وبعده، أو في المحجورين، يعني: من تحت، وصايتكم، وولايتكم، لا تؤتيه ماله، وقد يكون هذا المحجور عليه من أولادك، وليس بيتيم، كبير، ولكنه ضعيف العقل، فهنا لا تؤتيه المال، لئلا يضيع، فماذا يقال؟

هل يُقَال هنا: أولاد الرجل، وامرأته؟ أو يقال: بحمل ذلك على المعنيين؟

وكأن هذا - والله أعلم - لو قال به قائل أقرب، فهو غير مدفوع به قول هؤلاء الصحابة الذين يجب الوقوف عند أقوالهم، وأيضًا يكون قد جمع المعنى، ضم المعنى الآخر إليه وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ فهذا عام، وهذا التركيب في "لا" الناهية، ودخولها على الفعل هنا المضارع يفيد العموم وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ فيدخل فيه إعطاء من تحت يديه من الأولاد، وإذا كانت المرأة لا تحسن التصرف أيضًا، فلا يمكنهم من المال، فيضيع بسبب سوء تدبيرهم، لا يجعل ماله في أيديهم، أو يعطيهم أكثر مما يحتاجون إليه، فيحصل التضييع، والتفريط، والعبث بالمال، والتبذير لا شك أنه محرم، والإسراف، ونحو ذلك وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ.

وكذلك أيضًا من كان تحت يده من الأيتام، أو المحجورين، فكذلك لا يعطيهم المال، لكن هنا بأي اعتبار، وأموالكم؟ الأول: مال نفسه، والثاني: لا تؤتوهم أموالهم هم، فأضافه إليهم أَمْوَالَكُمُ باعتبار أنه كالنفس الواحدة، كما قال الله: لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [النساء:29] يعني: لا يأكل بعضكم مال بعض فاقتلوا أنفسكم يعني: ولا يقتل بعضكم بعضًا وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29] يعني: لا تقتلوا بعضكم بعضًا، فنزل النفوس المختلفة منزلة النفس الواحدة، والأموال أيضًا منزلة المال الواحد الذي هو ماله، فكما تحتاط لمالك، يعني هو في إشارة هنا لهذا المعنى، يعني وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ يعني: أموالهم على هذا المعنى، فكأنه مالك أنت تتصرف فيه بحساب، وحفظ، ومراعاة، واحتياط له، واحتراز، ما تقول: هذا مال غيري، أعطيه هذا المال، ويتصرف فيه كما يشاء، ولا شأن لي به، لا يصح.

فيمكن أن تكون الآية - والله أعلم - تشمل المعنيين، لا يعطى من لا يحسن التصرف من ولدٍ، وزوجةٍ، ومحجورٍ عليه، سواءً كان المال له، أو كان المال لك، بالنسبة للزوجة، النساء تكلم العلماء، هل لها أن تتصدق، وهل لها أن تنفق، ومن غير إذن زوجها؟ إلى آخره، الراجح أنه يجوز لها أن تتصدق، وأن تنفق، وأن تشتري، وأن تبيع إلى آخره من غير إذنه. 

ويدل على هذا قول النبي ﷺ يا معشر النساء تصدقن[3] النساء لم يرجعهن النبي ﷺ إلى الأزواج يستأذن، فكان النساء يلقين الحلي في ثوب بلال من غير استئذان لأزواجهن، فدل على أن تصرف المرأة ينفد، فهي تتمكن من مالها، لكن هل لها أن يعطيها ماله هو، ويقول: تصرفي، إذا كانت لا تحسن التصرف؟ إذا كانت لا تحسن، إذا كانت سفية، والرجل قد يكون سفيهًا، وقد تكون المرأة سفية، لكن سوء التدبير في المرأة في المال أغلب كما هو مشاهد، إذا دخلت، ووجدت أواني نسيت نفسها، إذا دخلت سوقًا، نسيت نفسها، لكن قد يكون الرجل سفيهًا، ولذلك بعض النساء تكون هي التي تتولى إدارة المال عن زوجها؛ لأنه لا يحسن التصرف، قد يكون فيه علة في عقله، فصام، أو غير ذلك، فالمرأة هي التي تتولى النفقة، وضبط المال، وكذلك في البلاد الشرقية عندهم عادة.

في بعض البلاد الشرقية، الرجل حينما يأتي بمرتبه يعطيه للمرأة من البداية، كل شهر يعطيه للمرأة، المرأة تقسمه، تقول: هذا لمصاريف البيت، تضعها على جنب، خلاص ما يصرف من هذا، وهذا مثلًا إذا كان عندهم دين، هذا الحصة هذه لقضاء الدين، أقساط الدين، وهذه تكون للادخار، وهذه للأجور، مثل: أجرة إذا كان عندهم دار مستأجرة، أو خادم، أو نحو ذلك، تخصص القدر الشهري، الحصة الشهرية، بحيث إذا جاء نهاية العام ما يكون خالي الوفاض ليس عنده شيء، فالغالب هؤلاء النساء هناك يضبطن هذه الأمور، وقد يكون أكثر من الرجال، فيكون تدبير المال عندها، فإذا كانت حصيفة بهذه الطريقة، وتضبط له النفقات، ونحو هذا، فلا إشكال، لكن ذكرت لا تحسن التصرف، عندها رغبة جامحة في الشراء، والتسوق، فهذه إذا وقع بيدها مال فإنها لا تبقي، ولا تذر، لاسيما إذا كان عنده زوجة، امرأة أخرى، فهي تشعر دائمًا يصل إليها ما لا يصل إلى نفسها، فهي تحاول أن تعوض، وأن تستقصي، وأن تأخذ منه ما استطاعت، وتعتبر ذلك من المغنم الذي تأخذه، وتستحوذ به؛ لأنه قد فاتها لربما أضعاف ذلك - بزعمها هي - فإذا مكنها من ماله قد تبيد هذا المال - إلا من رحم الله نكايةٍ بتلك، أو بزعمها أنها تنتصف منها، وتأخذ بعض حقها؛ لأنها تعتقد أنه ينفق عليها كثيرًا، فعلى كل حال إذا كان الإنسان لا يحسن التصرف، لا يمكن من المال.

"وأموالكم، أموال المحجورين، وأضافها إلى المخاطبين؛ لأنهم ناظرون عليها، وتحت أيديهم."

هذا على أحد القولين، يعني من قال: بأن ذلك وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5] يعني المحجورين، لكن من قال: إنهم الأولاد آتوهم أموالكم، فهنا لا يقال: إنه، وأضافها إلى المخاطبين؛ لأنهم ناظرون عليها، بل لأنه ماله يملكه، وحملها ابن جرير على أموال المنهيين[4] وأموال السفهاء، وهذا جيد، يعني جمع بين القولين الذين ذكرت لكم، قلنا: بأن الآية تحتمل وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ [النساء:5] من الأولاد، والنساء، أو من المحجورين من الأيتام، ونحوهم الذين تحت أيديكم، لا تؤتوهم أموالهم، فابن جرير جمع بين المعنيين، أنها تشمل أموال المنهيين في أموالهم التي يملكونها، وأموال السفهاء التي هم أوصياء عليها، وهذا جمع جيد بين القولين.

"قِيامًا جمع قيمة، وفي هذه القراءة قِيَمًا: جمع قيمة، وقيل بمعنى قيامًا بألف، أي: تقوم بها مع معايشكم."

قيمًا على هذه القراءة الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] وهما لغتان المعنى واحد، وأصل المادة: القاف، والواو، والميم، مراعاة الشيء، والحفظ له، والانتصاب، والعزم، هذا أصلها، يعني تقول جمع قيمة، لكن هذا التفسير قيمًا الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَمًا جمع قيمة، قيم الأشياء على هذا المعنى، هذا معنى آخر تمامًا، وقيل بمعنى قيامًا على أنها لغة أخرى، أي تقوم بها معايشكم - والله أعلم -.

إذا كان المال للمخاطبين الآن في وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] فتكون الإضافة باعتبار أنهم وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ إذا كان المال للمخاطبين أموالكم، باعتبار أنه المالك لها وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ إن كانت لمن تحت أيديهم، فتكون باعتبار أنهم الناظرون عليها، أو اعتبار أنها من جنس أموالهم.

لكن في قوله: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] يعني: بعضهم يقول: إنما عبر بذلك، ومعنى المال للمخاطبين على بعض قول بعض أهل العلم، ولكن يعني أموال المحجور عليهم، باعتبار أنه من جنس ما تقوم به معايشكم الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَمًا [النساء:5]. 

"وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ [النساء:5] قيل: إنها فيمن تلزم الرجال نفقته من زوجته، وأولاده."

وهذا مروي عن ابن عباس - [5].

"وقيل: في المحجورين يرزقون، ويكسون من أموالهم."

هذان قولان: وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ إذا قلنا هناك: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5] بشمل هذا، وهذا من تحت يدك من الأولاد، والزوجات، وكذلك من المحجورين من اليتامى، وغيرهم، فهنا وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ فيدخل فيها نفقة الأولاد، والزوجات، نفقة الزوجات، والأولاد من مالك، ونفقة اليتامى، والمحجورين من أموالهم، ولذلك حملها ابن جرير[6] وابن كثير[7] على معنى أعم من أحد القولين المذكورين، يعني إن يشمل هذا، وهذا، وهذا جمع بين الأقوال. 

"وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا أي: ادعوا لهم بخير، أو عدوهم، وعدًا جميلًا: أي إن شئتم دفعنا لكم أموالكم - وفي النسخة الخطية: أي إن رشدتم دفعنا لكم أموالكم."

ليست إن شئتم؛ لأنه لو شاء لا يعطى إذا كان محجورًا عليه، وإنما إن رشدتم دفعنا إليكم أموالكم، يعني يقول لهم كلام طيب: سأدفعها لكم إن شاء الله تعالى، حينما تكونوا بإذن الله تتصرفون فيها التصرف الموافق، الصحيح، فلا تضيع من أيديكم، كلامًا نحو هذا، يعني لا يقول لهم كلامًا يحرج، فيقول: أنتم سفهاء، والسفيه لا يعطى المال، ولا يمكن منه، ونحو ذلك من العبارات التي تؤذيهم، سواء كان يوجه ذلك إلى زوجته، أو إلى أولاده، أو إلى من تحت يده من المحجور عليهم، فلا يخاطب الناس بما يحصل به الإيحاش، وإنما يكون العبارة لطيفة، ومقبولة لا تؤذي، لا تؤذي السامع، والله يقول: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83] يتكلم بالكلام الذي تقبله النفوس، لا يؤذيهم بعباراتٍ قاسية - والله المستعان -.

  1.  المصدر السابق (2/214).
  2.  المصدر السابق.
  3.  أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، برقم (304)، وبرقم (1462)، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله، ككفر النعمة، والحقوق، برقم (79).
  4.  تفسير الطبري (6/396).
  5.  انظر: تفسير ابن كثير (2/214).
  6.  تفسير الطبري (6/401).
  7.  تفسير ابن كثير (2/215).