الثلاثاء 08 / ذو القعدة / 1446 - 06 / مايو 2025
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيرًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ۝ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ۝ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ، وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا [سورة النساء:53 - 55].
يقول تعالى: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ [سورة النساء:53]، وهذا استفهام إنكاري أي: ليس لهم نصيب من الملك، ثم وصفهم بالبخل فقال: فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا [سورة النساء:53] أي: لأنهم لو كان لهم نصيب في الملك، والتصرف لما أعطوا أحداً من الناس، ولا سيما محمد ﷺ شيئًا، ولا ما يملأ النقير، وهو النقطة التي في النواة، في قول ابن عباس - ا -، والأكثرين."

يقول: فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا [سورة النساء:53] "أي: لأنهم لو كان لهم نصيب في الملك، والتصرف لما أعطوا أحداً من الناس شيئاً، ولا سيما محمد ﷺ" الفاء هنا للسببية الجزائية، ويكون هناك شرط محذوف بمعنى أن الكلام يكون هكذا: أم لهم نصيب من الملك فلو كان لهم ذلك، أو فإن أعطوا نصيباً من الملك فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً، أي لا يعطون عندئذ أحداً شيئاً لا قليلاً، ولا كثيراً، فالمقصود أن هناك شرطاً محذوفاً مقدراً يفهم من السياق، فالعرب تحذف من الكلام ما تثق معه بفهم السامع، أو المخاطب.
أم لهم نصيب من الملك فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً، أي: فلو كان لهم ذلك، فلو أعطوا ذلك، فإذا كان لهم شيء من هذا فإنهم يمنعون، ولا يعطون عندئذ أحداً من الناس شيئاً لا قليلاً، ولا كثيراً.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً [سورة النساء:49]،
فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً [سورة الإسراء:71]
يقول ابن كثير: "ولا ما يملأ النقير، وهو النقطة التي في النواة، وهو قول ابن عباس، والأكثرين" المقصود أنهم لا يؤتون الناس شيئاً، ولو كان حقيراً تافهاً قليلاً، فالحافظ ابن كثير حمل النقير على أنها الحفرة الصغيرة، أو النقطة التي تكون في ظهر النواة، والفتيل على أنه الخيط الذي يكون في الشق، أي أنهم لا يعطون الناس شيئاً، ولو كان يسيراً لا يملأ إلا تلك الحفرة، ومعلوم أن اليهود أشد الناس بخلاً فهم عبدة الذهب، وبقيت فيهم عبادة العجل جيلاً بعد جيل كما قال تعالى: وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ [سورة البقرة:93].
وبعضهم يقول: إن النقير هو ما نقر الرجل بأصبعه في الأرض، ويطلق النقير أيضاً على الخشبة التي تنقر بالنحت عليها من الداخل بحيث تصبح تلك الخشبة بذلك النقر صالحة لوضع الأسقية فيها، وقد جاء في حديث، وفد عبد القيس في الصحيحين أن النبي ﷺ أمرهم بأشياء، ونهاهم عن أشياء - ثم نسخ ذلك النهي فيما بعد -، وكان من جملة ما نهاهم عنه المزفت، والمقير، والنقير، والدباء، وكلها أوعية كانوا ينتبذون بها؛ لأن هذه الأوعية التي كانوا ينتبذون فيها كان يسرع إليها التخمر.
فالمقصود أنه إذا كان هذا يقال له: نقير، والشق، والنقطة المثقوبة في ظهر النواة يقال لها نقير، وما ينقره الرجل بأصبعه يقال له: نقير فإن ذلك يفهم منه أنهم لا يؤتون الناس شيئاً، ولو كان حقيراً قليلاً تافهاً لا شأن له، ولا خطر له، وهذا الذي ذهب إليه كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله -.
إذن الفتيل هو الخيط الذي في شق النواة - على أحد التفسيرات المشهورة -، والنقير النقرة التي في ظهرها - وهذا أشهر التفاسير للنقير، وإن كان يطلق على الشيء التافه كما ذكرنا -، والقطمير هو القشرة التي تغلف النواة، - والله أعلم -.
"وهذه الآية كقوله تعالى: قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ [سورة الإسراء:100] أي: خوف أن يذهب ما بأيديكم مع أنه لا يتصور نفاده، وإنما هو من بخلكم، وشحكم؛، ولهذا قال تعالى: وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا [سورة الإسراء:100] أي: بخيلاً."

مرات الإستماع: 0

"أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ [النساء:53] الهمزة للاستفهام مع الإنكار نَقِيراً؛ النقير هي النقرة في ظهر النواة، وهو تمثيل، وعبارة عن أقل الأشياء، والمراد وصف اليهود بالبخل لو كان لهم نصيب من الملك، وأنهم حينئذٍ يبخلون بالنقير الذي هو أقل الأشياء، ويبخلون بما هو أكثر منه من باب أولى".

فهؤلاء لو كان لهم نصيب من الملك؛ فإنهم لا يعطون الناس شيئًا ينفعهم، ولو كان أقل الأشياء، وهو النقير؛ فهو النقرة على ظهر النواة، بطن النواة كما عرفنا مشقوق، وفيه خيط، فهذا هو الفتيل، والنقرة التي على ظهر النواة، يعني يوجد مثل ثقب الإبرة، لكنه غير نافذ إلى الجهة المقابلة، فهذا هو النقير، ماذا عسى أن يجتمع في مثل هذا؟ فهم لا يؤتوا الناس مثل هذا، بقدر هذا، فكيف بما هو أكبر، وأعظم؟

فهذا يدل على أن اليهود لا يرجى منهم شيء، ولذلك يقال أنهم لما عبدوا هذا العجل من الذهب؛ صار هذا في نفوسهم، فصاروا يعبدون الذهب عبادة، وبقي ذلك في ذريتهم إلى يومنا هذا، وهذا القول بأنه النقرة في ظهر النواة، جاء عن ابن عباس، وهو قول الأكثر من السلف، فمن بعدهم، وبعضهم يقول: هو ما نقر الرجل بأصبعه كما ينقر في الأرض، يعني لو نقر في الأرض مثلًا بأصبعه هكذا، فهذا شيء يسير لا يذكر، ولا قيمة له، ماذا عسى أن يكون من النقص بمثل هذا المقدار، وكذلك قالوا: يطلق على الخشبة تنقر، وينبذ فيها (نبيذ يعني) يكون ذلك من الأسقية، فلا يؤتون الناس نقيرًا، لكن هذا بعيد قد حمله ابن جرير - رحمه الله - على أصغر النقر، وهو ما يكون على ظهر النواة، وقد يدخل فيه عنده، ما شاكلها من النقر، يعني هنا لما قال: لا يأتون الناس نقيرًا، الثقب الذي يكون على ظهرها شيء يسير صغير، فلا يفسر بما هو أكبر منه، من نكت الأصبع، أو ما ينقر في خشبة فينتبذ فيها، فتكون سقاء، يعني يوضع فيها النبيذ، هذا ليس بيسير كالنقير الذي هو النقرة في ظهر النواة - والله تعالى أعلم -.