"فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ [النساء:62] الآية، أي: كيف يكون حالهم إذا عاقبهم الله بذنوبهم؟"
يقول ابن كثير - رحمه الله -: فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم، واحتاجوا إليك في ذلك سواء كان هذا فيما يضطرهم من المصائب إلى الرجوع إلى النبي ﷺ أو كان ذلك فيما ينوبهم من المصائب بسبب حالهم، ونفاقهم، وتحاكمهم إلى غير شرع الله - تبارك وتعالى - لأن هذا التحاكم إلى غير شرع الله هو سبب للمصائب في الدنيا، وكذلك العذاب في الآخرة ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ [النساء:62] هذا يمكن أن تكون قرينة على ما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أنها في النوائب والمصائب التي تطرقهم، فتضطرهم إلى الرجوع إلى النبي ﷺ.
وقوله: "ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم" وهذا من التوسع في العبارة، لكن بعض أهل العلم يحترز من هذا، فلا يضيف إلى المقادير شيئاً، وإنما إلى مقدر ذلك، وهو الله - تبارك وتعالى - فبعض أهل العلم يمنع من قول: شاءت الأقدار، ساقته الأقدار، ونحو ذلك، وترك مثل هذه العبارات لا شك أنه أولى دفعًا للإيهام، لكن يتوسع بعض أهل العلم في مثل هذه الإطلاقات، ويقصدون: أن الله مُقدِّر ذلك، فقدر عليهم ما يسوقهم إلى النبي ﷺ.
لكن ترك العبارات الموهمة والمجملة والمحتملة، وإن كان قائلها يقصد معنًى صحيحًا، لا شك أنه أولى.
"ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ [النساء:62] يحتمل أن يكون هذا معطوفًا على ما قبله، أو يكون معطوفًا على قوله: يَصُدُّونَ [النساء:61] ويكون قوله: فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ اعتراضًا".
الأول: "أنه يكون معطوفًا على ما قبله" يؤيد قول ابن كثير - رحمه الله - أنه ينوبهم ما يضطرهم إلى الرجوع إليك وكأن هذا أليق بالسياق - والله أعلم -.
"أو يكون معطوفًا على قوله: يَصُدُّونَ [النساء:61]" يعني: يكون هكذا: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:61]، ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ [النساء:62] بمعنى: أن ذلك العمل، ذلك التصرف يوجب الريبة في حالهم، وليس ذلك من عمل أهل الإيمان: أنهم يمتنعون من التحاكم إلى شرع الله - تبارك وتعالى -؟ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:61] فهم يصدون، ثم يأتون معتذرين، أنهم إنما أرادوا إحسانًا، وتوفيقًا، فتكون هذه الجملة فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [النساء:62] تكون جملة معترضة، يعني إشارة إلى ما قد ينزل بهم من العقوبة بسبب ذلك، لكن هذا فيه بُعْد، ولا يخلو من تكلف - والله تعالى أعلم -.
فهم لا يأتون ابتداءً إلى النبي ﷺ يعتذرون، ولكن قد ينزل بهم ما قد يُلجئهم إلى المجيء إلى النبي ﷺ.