الخميس 17 / ذو القعدة / 1446 - 15 / مايو 2025
أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِىٓ أَنفُسِهِمْ قَوْلًۢا بَلِيغًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"ثم قال تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ [سورة النساء:63]، هذا الضرب من الناس هم المنافقون، والله يعلم ما في قلوبهم، وسيجزيهم على ذلك فإنه لا تخفى عليه خافية، فاكتف به يا محمد فيهم، فإن الله عالم بظواهرهم، وبواطنهم؛، ولهذا قال له: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [سورة النساء:63] أي: لا تعنفهم على ما في قلوبهم وَعِظْهُمْ [سورة النساء:63] أي: وانههم عما في قلوبهم من النفاق، وسرائر الشر وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا [سورة النساء:63] أي: وانصحهم فيما بينك، وبينهم بكلام بليغ رادع لهم."

قوله: وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا [سورة النساء:63] يحتمل أن يكون معنى في أنفسهم أي: إذا خلوت بهم من دون الناس، يعني لا تقل لهم ذلك علانية أمام الناس؛ ليكون ذلك أبلغ في النصح، وأدعى إلى القبول، ويحتمل أن يكون المراد: وقل لهم في حق أنفسهم، قولاً بليغاً.
وقوله - تبارك، وتعالى - عنهم: إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا [سورة النساء:62] أي أنهم يبررون ذلك بأنهم أرادوا الإحسان، والتوفيق، ويؤخذ من هذا أن كل من أراد أن يجمع بين الشريعة، وغيرها مما خالفها فإن فعله هذا مذموم، ومن أمثلة ذلك أولئك الذين حاولوا أن يجمعوا بين القرآن، وبين ماديات هذا العصر التي لا تؤمن بالغيب أصلاً، وأرادوا أن يلفقوا ذلك، ويحملوا كتاب الله ما ليس منه من أجل أن يقدموا الإسلام بصورة مقبولة للغرب فهؤلاء قد يدخلون في هذه الآية، وهذا حصل من نحو مائة سنة، ولذلك فالأمور التي تحصل الآن، ويكتب بها كاتبون، ويخرج فيها أناس في قنوات فضائية هي ليست جديدة لكنها تتكرر بأسماء أخرى، ولذلك إذا سئلوا عن هذا قالوا: إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا [سورة النساء:62] يعني يريدون أن يوفقوا بين، وحي الله، وبين ما عند أعداء الله من كفر، وإلحاد، وما أشبه ذلك.
ومثل هؤلاء أولئك الذين بُهروا قبل قرون طويلة بالفلسفة حينما تُرجمت كتب اليونان على يد المأمون - وحيث إن كل جديد له بريق - ففتن بها كثير من العلماء، وغيرهم، وتعلمها كثيرٌ منهم، وحاول كثيرٌ منهم أن يجمعوا بينها، وبين القرآن، وهم بزعمهم أرادوا إحساناً، وتوفيقاً، وهكذا توجد أمثلة، وصور كثيرة تتكرر عبر القرون.
وقوله تبارك، وتعالى: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [سورة النساء:63] قال ابن كثير: "أي: لا تعنفهم على ما في قلوبهم" هذا التفسير تحتمله الآية، وتحتمل أن يكون المعنى: أعرض عن عقابهم، ولا تشتغل بهم، على أن هذا كان في أول الأمر، وإلا فإن آخر ما نزل في الجهاد سورة براءة، وقد قال الله فيها: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [سورة التوبة:73] فهذه الآية في المنافقين حيث أمر الله نبيه بمجاهدتهم، وبالإغلاظ عليهم، ومثل هذه الآية من أهل العلم من يقول: إنها نسخت بآية السيف - وهي الآية الخامسة من سورة براءة - : فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ، وَجَدتُّمُوهُمْ، وَخُذُوهُمْ، وَاحْصُرُوهُمْ، وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [سورة التوبة:5] إلى آخره، وهذه الآية يقول فيها بعض أهل العلم: نسخت مائة، وأربعة، وعشرين آية فيها صفح، وعفو، وإعراض، وما أشبه ذلك، وهذا الكلام غير صحيح، وإنما الصحيح أن مثل هذه الآيات غير منسوخة، وإنما هي لأوقات الضعف، والقلة، وأزمنة الفترة، وما أشبه ذلك، ففي مثل هذه الظروف يكون الإعراض، والصفح، والصبر على أذى المشركين مع العمل على إعداد الأمة، وتقويتها، وتهيئتها، ورفعها، فإذا كانت الأمة قوية، وممكّنة فعندئذ تأتي العزائم، وهو ما ذكره الله في سورة براءة، وهي آخر ما نزل، ولم ينسخ منه شيء، والمقصود أن الأرجح هو أن هذه الآيات غير منسوخة، - والله اعلم -.

مرات الإستماع: 0

"فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [النساء:63] أي: عن معاقبتهم، وليس المراد بالإعراض القطيعة؛ لقوله: وَعِظْهُمْ [النساء:63]".

فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ قال: "أي: عن معاقبتهم" وأيضًا: أعرض عنهم: لا تبالي بهم، ولا تلتفت إليهم، ولا تكترث بهم.

يقول: "وليس المراد بالإعراض القطيعة؛ لقوله: وَعِظْهُمْ [النساء:63]" وقال ابن كثير - رحمه الله -: أي لا تعنفهم على ما في قلوبهم[1]

  1. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/347).