الخميس 17 / ذو القعدة / 1446 - 15 / مايو 2025
وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُوا۟ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُوا۟ ٱللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ۝ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [سورة النساء:64-65].
يقول تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ أي: فرضت طاعته على من أرسله إليهم.
وقوله: بِإِذْنِ اللّهِ قال مجاهد: أي لا يطيع أحد إلا بإذني، يعني لا يطيعهم إلا من وفقته لذلك."

قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ الإذن المراد في هذه الآية هو الإذن الكوني - على قول مجاهد - بمعنى أنه لا يقع في الكون تحريكه، ولا تسكينه إلا بإذن الله ، وكذلك لا يقع فيه اهتداء، ولا ضلال إلا بإذن الله ، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فطاعة الرسل واجبة بأمر الله شرعاً، لكن وقوع ذلك هو الإذن الكوني؛ ولهذا قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ فالآية يدخل فيها الإذن الكوني، والشرعي لكن على قول مجاهد: "لا يطيع أحد إلا بإذني" يعني لا يطيع الرسل إلا من وفقته" يقصد الإرادة الكونية.
وإذن الله الشرعي متحقق بلا شك، وذلك أن الله أمر أن يطاع أمره، وأن يتبع رسوله ﷺ، وهذا داخل في الآية الكريمة، فلا يقع من أحد شيء إلا بإرادة الله، وإذنه كوناً؛ لأنه لا يقع في ملك الله إلا ما يريد، فالمقصود أن المعنيين داخلان في الآية، - والله أعلم -.
يعني: لا يطيعهم إلا من وفقته لذلك. 
"كقوله: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ [سورة آل عمران:152] أي: عن أمره، وقدره، ومشيئته، وتسليطه إياكم عليهم.

قوله تعالى: إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ [سورة آل عمران:152] الحس هو القتل الذريع، والاستئصال.
وقوله: بِإِذْنِهِ [سورة آل عمران:152] أي الإذن الكوني، وذلك بأن يكون الله  قد قدر ذلك، وأذن بوقوعه كوناً، وأذن أيضاً بفعله شرعاً؛ وذلك أن الله أمر بذلك فهو الذي أمر بجهادهم.
وهذه الآية كقوله - تبارك، وتعالى - : مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ [سورة الحشر:5]، واللينة هي النخلة، وبعضهم يقول: العجوة، وبعضهم يقول: سائر النخل البرني، وهو نوع من النخيل في المدينة، وبعضهم يقول: الفسيل الصغير.
وهذا الأمر حصل لما حاصر المسلمون يهود بني النضير حيث قطع بعض المسلمين بعض النخيل، أو أحرقوها، فغاظ ذلك اليهود، وأرباب النخيل الذين يهتمون بالنخيل، ويحبونها كما قال الألوسي: حدثني بعض أصحاب النخيل أنه يؤثِر أن تقطع بنانه، ولا يقطع شيء من عسيب النخلة، وهذا مشاهد في الذين يولعون بالنخيل، ويحبونها حيث يمكن أن يكون موت ولده أسهل عليه من قطع النخلة، والمقصود أن هذا الفعل غاظ اليهود فتكلموا في حق النبي ﷺ، وقالوا: أنت جئت بالإصلاح، وجئت تدعو للإصلاح، فكيف هذا الإحراق، والقطع للنخيل؟ فرد الله عليهم بقوله: مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [سورة الحشر:5]، وكانت هذه الآية أيضاً جواباً للصحابة الذين اختلفوا في هذا حيث قال بعضهم: كيف تقطع هذه النخيل، وهي ستئول للمسلمين؟ وقال بعضهم: بل تقطع لأنها الآن في حوزة اليهود فقطعها نكاية لهم.
وقوله: فَبِإِذْنِ اللَّهِ إذا قلنا: إن الإذن هنا هو الإذن الشرعي فهذا يفهم منه أن هذا الفعل يجوز ما دام في ذلك نكاية بهم، وإن لم تكن تلك المزارع، وما شابهها من آلات الحرب بالنسبة للكفار، وإذا فسر بالإذن الكوني - يعني إلا بقدر الله فلا يفهم من الآية جواز ذلك، لكن الأقرب - والله أعلم - أن الآية تفسر بالمعنيين، أي أن الذي وقع من قطع النخيل أذن الله به كوناً، وأذن به شرعاً، فيجوز بهذا الاعتبار أن يفعل ما فيه نكاية بالكفار إذا حاصرهم المسلمون إلا إذا كان ذلك بطريق محرم كإحراق الناس بالنار فهذا لا يجوز، وكذلك لا يجوز استخدام السلاح الذي يستعمل قصداً، وابتداءً في الإحراق بخلاف ما حصل الإحراق فيه من غير قصد، أو ليس من شأنه الإحراق أصلاً، وإنما حصل تبعاً، ولذلك فالرصاص، وإن كان حاراً إلا أنه يجوز استعماله لأنه ليس من شأنه الإحراق، ولا يجوز استعمال الأدوات المحرقة حتى لقتل الذباب، والبعوض، وإن لم يكن فيها نار ظاهرة؛ لأن نتيجتها الإحراق، ولا يعذب بالنار إلا رب النار، - والله أعلم -.
والخلاصة أن قوله تعالى: مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ [سورة الحشر:5] يؤخذ منه أنه في حال محاربة الكفار، ومقاتلتهم، أو محاصرتهم يجوز إتلاف أموالهم، وضرب المنشآت العسكرية، والحيوية مثل محطة المياه، ومحطة الكهرباء، وما أشبه ذلك إذا كان في ذلك نكاية بهم، وهذا الأمر يكون شرعياً عندما يكون الجهاد شرعياً ضد الكفار، وليس في حال الإفساد في الأرض الذي يقع من بعض من يفسد، ويسمي إفساده في الأرض جهاداً.
"وقوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ الآية [سورة النساء:64] يرشد تعالى العصاة، والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ، والعصيان أن يأتوا إلى الرسول ﷺ، فيستغفروا الله عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم، ورحمهم، وغفر لهم، ولهذا قال: لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا [سورة النساء:64]."

مرات الإستماع: 0

"وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [النساء:64] الآية، وعدٌ بالمغفرة لمن استغفر، وفيه استدعاء للاستغفار والتوبة، ومعنى جَاءُوكَ أتوك تائبين معتذرين من ذنوبهم، يطلبون أن تستغفر لهم الله".

يقول: "وعد بالمغفرة لمن استغفر، وفيه استدعاء للاستغفار والتوبة، ومعنى جَاءُوكَ: أتوك تائبين معتذرين من ذنوبهم" المقصود بذلك في حياة النبي ﷺ بلا شك، ولا يكون ذلك بعد موته قطعًا، ولم يكن الصحابة يأتون إلى قبره مستغفرين من ذنوبهم، وإنما ذلك خاصٌّ بحياته - عليه الصلاة والسلام -.