كما قال الله في تبوك: لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ [التوبة:42] يعني الأشياء القريبة المنال، والسفر القريب الذي تكون فيه نسبة الغلبة والانتصار، وأخذ الغنائم راجحة قوية، يشاركون فيها، وما كان شاقًّا، أو يقابلون فيه عدوًا قويًّا، فإنهم يتخلفون، ويتثبطون ويذكرون المعاذير.
"كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ [النساء:73] جملة اعتراض بين العامل ومعموله، [وفي النسخة الخطية: جملة اعتراض بين القول ومعموله] فلا يجوز الوقوف عليها، وهذه المودّة في ظاهر المنافق لا في اعتقاده".
يعني في قوله: وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا [النساء:73] تكون جملة كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ اعتراضية، فيرد سؤال: إن المنافق ليس بينه وبين المؤمنين مودة، هم العدو فاحذرهم، فكيف قال: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ [النساء:73]؟
يقول: "هذه في ظاهر المنافق لا في اعتقاده" يعني فُسر، أي: وكأنه ليس من أهل دينكم، يرتبط فيه معكم بالتزام أحكامه، والفرح بالظفر، والنصر، وإعزاز الدين، وما أشبه ذلك، فكيف يصدر منه مثل هذا؟ ومن مقتضيات كون هذا يرتبط معكم في الدين: النصرة لكم، وبنحو هذا المعنى قال الحافظ ابن كثير[1] يعني كأنه لا يرتبط معكم في هذا الدين، وشرائعه، وأحكامه، فيصدر عنه خلاف ذلك، وهو مأمورٌ، ومطالب بالنصرة لهذا الدين وحملته - والله المستعان -.
وقوله هنا: "فلا يجوز الوقف عليها" يعني على هذه الجملة الاعتراضية وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ فلا تقف هنا، ثم تقول: يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا [النساء:73] وإنما تواصل.