الأربعاء 16 / ذو القعدة / 1446 - 14 / مايو 2025
فَلْيُقَٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلْءَاخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"ثم قال تعالى: فَلْيُقَاتِلْ [سورة النساء:74] أي: المؤمن النافر فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ [سورة النساء:74] أي: يبيعون دينهم بعَرَض قليل من الدنيا، وما ذلك إلا لكفرهم، وعدم إيمانهم.
ثم قال تعالى: وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [سورة النساء:74] أي: كل من قاتل في سبيل الله - سواء قُتل أو غَلب وسَلَب - فله عند الله مثوبة عظيمة، وأجر جزيل كما ثبت في الصحيحين، وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه بما نال من أجر، أو غنيمة."

فقوله - تبارك وتعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا [سورة النساء:71] يعني أن الله يأمرهم بأن ينفروا لقتال عدوهم مجتمعين، ومتفرقين بحسب المصلحة.
قال: "وقد تجمع الثُّبَةُ على ثُبين بضم الثاء، وكسر الباء".
وقوله: فَلْيُقَاتِلْ [سورة النساء:74] قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "أي المؤمن النافر في سبيل الله".
الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ [سورة النساء:74] "أي: الذين يبيعون دينهم بعرض قليل من الدنيا، وما ذلك إلا لكفرهم، وعدم إيمانهم" وهذا المعنى الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - باعتبار أن الاسم الموصول، وصلته في محل نصب مفعول به، يعني أن الذي وقع عليه القتال هو الذي يشري الدنيا بالآخرة، ويكون الفاعل غيره، أي فليقاتل المؤمنون الكفارَ الذين صفتهم أنهم يشرون الدنيا بالآخرة.
لكن هذا المعنى الذي ذكره ابن كثير - رحمه الله - ليس هو المتبادر من السياق، بل المتبادر من السياق هو أن الفاعل الَّذِينَ يَشْرُونَ ويكون معنى يشرون أي يبيعون.
يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [سورة النساء:74] يعني يبيعونها بنعيم الآخرة، وعلى هذا الاعتبار يكون المعنى عكس ما ذكر ابن كثير، وهذا هو الأقرب في تفسير الآية، وهو الذي عليه عامة أهل العلم، ومنهم كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله تعالى - أي أن المعنى يكون هكذا: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ [سورة النساء:74] يعني فليقاتل في سبيل الله أهلُ الإيمان الذين صفتهم أنهم يبيعون الدنيا العاجلة بالآخرة.

مرات الإستماع: 0

"الَّذِينَ يَشْرُونَ [النساء:74] أي: يبيعون".

الشراء يذكر بمعنى البيع، كقوله: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ [التوبة:111] اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:11] فالشراء هنا بمعنى: الأخذ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ [النساء:74] يعني: يبيعون الحياة الدنيا، فلفظة الشراء من الأضداد، تقال للبيع وتقال للشراء بغلبة الاستعمال عندنا.

"فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ [النساء:74] ذكر الحالتين للمقاتل، ووعد بالأجر على كل واحدة منهما وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ [النساء:75] تحريض على القتال وَمَا مبتدأ ولَكُمْ الجار والمجرور خبر، [وفي النسخة الخطية: وَمَا مبتدأ، والمجرور خبره]".

"تحريض على القتال" ومعنى: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ أي: لا شيء لكم في حال لا تقاتلون، هذا ظاهر المعنى في أصله، يعني: أن الذي هو لكم هو أن تقاتلوا، فهو بمنزلة الأمر، يعني قاتلوا في سبيل الله، ولا يصدكم شيءٌ عن القتال.