الأربعاء 16 / ذو القعدة / 1446 - 14 / مايو 2025
وَمَا لَكُمْ لَا تُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَٱجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ۝ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [سورة النساء:75-76]، يحرض تعالى عباده المؤمنين على الجهاد في سبيله، وعلى السعي في استنقاذ المستضعفين بمكة من الرجال، والنساء، والصبيان المتبرمين من المقام بها، ولهذا قال تعالى: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ [سورة النساء:75] يعني مكة."

قوله تعالى: وَالْمُسْتَضْعَفِينَ يحتمل أن يكون مضافاً إلى لفظ الجلالة هكذا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ يعني يكون المعنى ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله، وسبيل المستضعفين الذين هذه صفتهم.
ويحتمل أن يكون منصوباً على الاختصاص، ويكون المعنى ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله وأخص المستضعفين، والمعنى على هذا أيضاً مقارب للذي قبله، وإن كان يختلف عنه في الإعراب، لكن المقصود بهذا الاعتبار أن يكون المستضعفون أحد الأسباب التي من أجلها يقوم القتال، أي أنكم تقاتلون في سبيل مرضاة الله وطلب ما عنده من الأجر، والثواب، وفي سبيل المستضعفين لاستنقاذهم ورفع الظلم عنهم فإنهم جديرون بذلك، - والله أعلم -.
"ولهذا قال تعالى: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ [سورة النساء:75] يعني مكة كقوله تعالى: وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ [سورة محمد:13]، ثم وصفها بقوله: الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا [سورة النساء:75] أي: سخر لنا من عندك ولياً، وناصراً.
روى البخاري عن ابن عباس - ا - قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين[1]
  1. أخرجه البخاري في كتاب التفسير - باب تفسير سورة النساء (4311) (ج 4 / ص 1675).

مرات الإستماع: 0

"وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:75] تحريض على القتال و"ما" مبتدأ، والجار، والمجرور خبر - وفي النسخة الخطية - و"ما" مبتدأ، والمجرور خبره ولَا تُقَاتِلُونَ في موضع الحال وَالْمُسْتَضْعَفِينَ هم الذين حبسهم مشركو قريش بمكة؛ ليفتنوهم عن الإسلام، وهو عطف على اسم الله، أو مفعولٌ معه".

"هو عطف على اسم الله" يعني أي: وسبيل المستضعفين وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:75] إذا أعدناه على اسم الجلالة، يكون هكذا: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وسبيل المستضعفين، يعني في تخليصهم، ويحتمل النصب على الاختصاص، يعني: وأخص المستضعفين، فيكون هكذا: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وأخص المستضعفين، فجاء نصبه بهذا الاعتبار، فإنهم أعظم ما يصدق عليه أنه في سبيل الله، وهو تخليص هؤلاء المستضعفين - والله أعلم -.

وجاء في الصحيح عن ابن أبي مُليكة: أن ابن عباس - ا - تلا: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ [النساء:98] فقال: "كنت أنا وأمي ممن عذر الله"[1]حيث كان طفلًا، وأيضًا في الصحيح عن عبيد الله بن أبي عتبة قال: سمعت ابن عباس - ا - يقول: "كنت أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولدان، وأمي من النساء"[2].

"الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا [النساء:75] هي مكة حين كانت للمشركين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:76] وما بعده إخبار، قُصِدَ به تقوية قلوب المسلمين، وتحريضهم على القتال الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ [النساء:77] الآية، قيل: هي في قومٍ من الصحابة، كانوا قد أُمِروا بالكف عن القتال قبل أن يفرض الجهاد، فتمنوا أن يؤمروا به، فلما أُمِروا به كرهوه، لا شكًّا في دينهم، ولكن خوفًا من الموت، وقيل: هي في المنافقين، وهو أليق في سياق الكلام".

صح عن ابن عباس - ا -: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابًا له أتوا النبي ﷺ بمكة، فقالوا: يا نبي الله كنا في عزٍّ ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة، قال: إني أمرت بالعفو، فلا تقاتلوا القوم فهذا بمكة، فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال، فكفوا، فأنزل الله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ [النساء:77][3] فهذا صريح في أنه سبب النزول.

يقول: "قيل: هي في قومٍ من الصحابة كانوا قد أُمِروا بالكف" هذا يدل عليه ما جاء عن ابن عباس - ا - "لا شكًّا في دينهم، لكن خوفًا من الموت".

يقول: "وقيل: هي في المنافقين، وهو أليق في سياق الكلام" لكن سبب النزول يُبين المعنى، وبعضهم يقول: هي في اليهود، لكن هذا بعيد.

  1.  أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله، والمستضعفين من الرجال، والنساء [النساء: 75] الآية
    برقم: (4588).
  2.  أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام برقم: (1357).
  3.  أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/19-17741) والحاكم (ج2 ص66 و307) وقال في الموضعين: "صحيح" وهو أيضاً في تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (8/549- 9951) وانظر: الصحيح المسند من أسباب النزول (ص: 71).