كان المؤمنون في ابتداء الإسلام - وهم بمكة - مأمورين بالصلاة، والزكاة، وإن لم تكن ذات النُّصُب لكن كانوا مأمورين بمواساة الفقراء منهم، وكانوا مأمورين بالصفح، والعفو عن المشركين، والصبر إلى حين، وكانوا يتحرقون، ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم."
قوله تعالى: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً الآية [سورة النساء:77] هذه الآية نزلت في المؤمنين حينما كانوا يتشوفون للجهاد كما قال الله في سورة الصف: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [سورة الصف:2-3] فإنها نزلت بسبب أنهم تمنوا أن يعرفوا أحب الأعمال إلى الله ، فلما أخبروا أنه الجهاد تثاقلوا، وتباطئوا، فعاتبهم الله على ذلك، وهذا القول هو الظاهر - والله أعلم - خلافاً لمن قال: إنها في المنافقين أو في اليهود؛ فإن هؤلاء لا يتشوفون إلى الجهاد أصلاً، وإن كان من قال: إنها في اليهود قال: إن ذلك مما قصه الله من أخبارهم.
وهذه الآية كقوله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ الآيات [سورة محمد:20].
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس - ا - أن عبد الرحمن بن عوف، وأصحاباً له أتوا النبي ﷺ بمكة فقالوا: يا نبي الله، كنا في عزٍّ ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة، قال: إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا فأنزل الله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ الآية [سورة النساء:77]، ورواه النسائي، والحاكم[1].
وقوله: قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ، وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى [سورة النساء:77] أي: آخرة المتقي خير من دنياه، وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً [سورة النساء:77] أي: من أعمالكم بل توفونها أتم الجزاء، وهذه تسلية لهم عن الدنيا، وترغيب لهم في الآخرة، وتحريض لهم على الجهاد."
- أخرجه النسائي في السنن الكبرى في كتاب التفسير – باب تفسير سورة النساء (11112) (ج 6 / ص 325)، والحاكم (2377) (ج 2 / ص 76).