إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [سورة غافر:10-14]: يقول تعالى مخبرًا عن الكفار إنهم ينادَوْن يوم القيامة وهم في غمرات النيران يتلظون، وذلك عندما باشروا من عذاب الله تعالى ما لا قبل لأحد به فمقتوا عند ذلك أنفسهم وأبغضوها غاية البغض بسبب ما أسلفوا من الأعمال السيئة التي كانت سبب دخولهم إلى النار، فأخبرتهم الملائكة عند ذلك إخبارًا عاليًا نادوهم نداءً بأن مقت الله تعالى لهم في الدنيا حين كان يُعرض عليهم الإيمان فيكفرون أشد من مقتكم أيها المعذبون أنفسكم اليوم في هذه الحالة، قال قتادة في قوله تعالى: لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ يقول: لمقت الله أهل الضلالة حين عرض عليهم الإيمان في الدنيا فتركوه وأبوا أن يقبلوه أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة، وهكذا قال الحسن البصري ومجاهد والسدي وذر بن عبيد الله الهمداني، وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم وابن جرير الطبري - رحمة الله عليهم أجمعين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله - تبارك وتعالى -: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ المعنى كما ذكر الحافظ ابن كثير ونقله عن جمع من السلف وهو اختيار ابن جرير: أن مقت الله - تبارك وتعالى - لهؤلاء في الدنيا حينما دُعوا إلى الإيمان فأبوا وأصروا على الكفر أعظم من مقتهم لأنفسهم حينما يكونون في غمرات النار؛ وذلك أن الإنسان حينما يقع في مغبّة فعله القبيح يمقت نفسه، كيف ضيع على نفسه الفرصة، وكيف فرط التفريط العظيم ثم بعد ذلك آل به هذا التفريط، وهذا السوء في التدبير إلى هذه الحال التي لا يحسد عليها؟، فيمقت نفسه، فمقت الله له في الدنيا أعظم من مقته لنفسه حينما يُسلم إلى العذاب ويكون في تلك الحال، وقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: فأخبرتهم الملائكة عند ذلك إخبارًا عاليًا نادوهم نداءً بأن مقت الله إلى آخره، يعني أخذ ذلك من النداء إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْن فالنداء يكون للبعيد فهؤلاء في غمرات النار، والنار قعرها بعيد، فالملائكة تناديهم نداء عاليًا لمقت الله، يعني كالذي تناديه من بعيد تصوت له من أجل أن يسمع، فيقال لهم هذا الكلام: لمقت الله إلى آخره.