الخميس 27 / جمادى الآخرة / 1447 - 18 / ديسمبر 2025
وَهُوَ ٱلَّذِى يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِنۢ بَعْدِ مَا قَنَطُوا۟ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُۥ ۚ وَهُوَ ٱلْوَلِىُّ ٱلْحَمِيدُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا أي: من بعد إياس الناس من نزول المطر، ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه، كقوله: وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ [الروم:49].

وقوله : وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ أي: يعم بها الوجود على أهل ذلك القُطْر، وتلك الناحية.

قال قتادة: ذكر لنا أن رجلا قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، قُحط المطر وقنط الناس، فقال عمر : مطرتم، ثم قرأ: وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ أي: هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله.

قوله: يُنزلُ الْغَيْثَ قال: من بعد إياس الناس من نزول المطر، قال: وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ يعم بها الوجود.

الْغَيْث ليس هو مجرد المطر، وإنما المطر الذي ينتفع به، فيخرج به النبات.

وأما المطر فقد ينزل ولا يخرج منه النبات، وقد يهدم البيوت، ويحصل للناس فيه الضرر، إنما الذي ينفع هو الغيث، ونحن كما نشاهد العام الذي ينزل فيه المطر، والعام الذي لا ينزل فيه المطر سواء؛ بسبب ذنوبنا، والأرض مجدبة قاحلة، بل أعجب الأشياء أن المطر ينزل والغبار يثور في نفس الوقت.

الْغَيْث ليس هو مجرد المطر، وإنما المطر الذي ينتفع به، فيخرج به النبات.

وأما المطر فقد ينزل ولا يخرج منه النبات، وقد يهدم البيوت، ويحصل للناس فيه الضرر، إنما الذي ينفع هو الغيث، ونحن كما نشاهد العام الذي ينزل فيه المطر، والعام الذي لا ينزل فيه المطر سواء؛ بسبب ذنوبنا، والأرض مجدبة قاحلة، بل أعجب الأشياء أن المطر ينزل والغبار يثور في نفس الوقت

يعني المعروف أن الغبار يذهب ويتلاشى إذا نزل المطر، وأما أن ينزل المطر والغبار في وقت واحد فهذا من أعجب الأشياء، وهذا كله بسبب ذنوبنا، والمنكرات التي ظهرت، ومنع الزكاة، وما إلى ذلك، فليست العبرة بنزول المطر، وإنما بنزول الغيث، فقد ينزل المطر الكثير، ولا يحصل منه أدنى نفع، أو نبات، وكأنه لم ينزل، السنة المجدبة التي لم ينزل فيها المطر سواء مع التي نزل فيها المطر، فهذه عبرة وعظة وآية، والعامة عندهم تاريخ من تواريخ العوام المعروفة المشهورة عندنا جدًّا، يؤرخون بها، عندهم سنة يقال لها سنة: الدِّمْنة، هذه كانت لربما قبل نحو أكثر من خمسين سنة، ولربما ستين إلى سبعين سنة، تلك السنة نزل فيها مطر خفيف جدًّا جدًّا، بحيث إن الدِّمْنة وهي واحدة الدِّمْن، معروف، وهو - أعزكم الله - الواحدة من فضلات الغنم، معروف صغير، يعني يكون بقدر رأس الخنصر.

فهذه الدِّمْنة واحدة الدِّمْن، فهذه بحيث إنك إذا رفعتها تجد ما تحتها جافًّا، يعني ما وصل إليه المطر.

يعني المطر ينزل أحيانًا ويصل إلى ذراع في الأرض، وأكثر، وأكثر، وإنما هذا لا يبل ما تحت الدمنة، فظهر في تلك السنة من النبات والربيع والكمأ ما لا يقادر قدره، وكان الناس يعرفون الكمأ من رائحته بالليل، ظاهر على الأرض، كثير، حتى حدثني بعضهم يقول: إن الناقة أحيانًا بالليل تطأ عليه فتنزلق قدمها، ظاهر، الكمأ الكبير المعروف الذي عند الناس، الأبيض الزبيدي، ظاهر على الأرض كأنه حجارة، من مطر خفيف جدًّا.

وانظر هذا العام نزلت أمطار في وقتها، في وقت الوسم، ومع ذلك كأن الأرض ما أصابها أدنى مطر، فهذا لا يقال له: غيث، هذا يقال له: مطر، فالغيث ما يحصل به النفع، ويخرج به النبات، ولهذا نقول: اللهم أغثنا، اللهم غيثًا، ولا يقال: اللهم أمطرنا، اللهم مطرًا، والله المستعان.