الثلاثاء 25 / جمادى الآخرة / 1447 - 16 / ديسمبر 2025
وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ ۝ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ۝ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [الشورى:29-31]: قال الإمام الحافظ ابن كثير - يرحمه الله -: يقول تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ الدالة على عظمته، وقدرته العظيمة، وسلطانه القاهر: خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا أي: ذرأ فيهما، أي: في السموات والأرض.

مِنْ دَابَّةٍ وهذا يشمل الملائكة والجن والإنس وسائر الحيوانات، على اختلاف أشكالهم وألوانهم ولغاتهم، وطباعهم وأجناسهم، وأنواعهم، وقد فرقهم في أرجاء أقطار السموات والأرض وَهُوَ مع هذا كله: عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ أي: يوم القيامة يجمع الأولين والآخرين، وسائر الخلائق في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، فيحكم فيهم بحكمه العدل الحق.

فقوله - تبارك وتعالى -: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا لما ذكر الله السموات والأرض أعاد الضمير إليهما مثنى: وَمَا بَثَّ فِيهِمَا فهذا كما قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: أي: في السموات وفي الأرض.

ولا إشكال في هذا.

خلافًا لمن قال: إن الضمير المثنى هنا يرجع إلى أحدهما، وهو الأرض.

وهؤلاء كأنهم نظروا إلى أن الدواب إنما تكون في الأرض، وأن ذلك يقال لكل ما دب، كأنهم استشكلوا أن تكون الملائكة مثلاً يقال لها ذلك.

والله - تبارك وتعالى - أعاد الضمير إلى المذكورين قبله، وظاهره - وهو الذي عليه المحققون خلافًا لبعض أصحاب كتب المعاني -: أن ذلك يرجع إليهما، والله - تبارك وتعالى - قد خلق في السموات وخلق في الأرض ما أخبرنا عنه، وما لا نعلمه.

فالآية على ظاهرها، ومن ثم فلا يقال: إن هذا ثني فيه الضمير والمقصود أحد المذكورين.

هذا يرد في القرآن، ولكنه في هذا الموضع ليس كما قيل، والله أعلم.

وقد مضى بعض الأمثلة على ذلك، كقوله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجمعة:11].

انفَضُّوا إِلَيْهَا بعضهم يقول: الضمير هنا يرجع إلى أحد المذكوريْن، وهو التجارة، باعتبار أنها هي المقصودة.

وبعضهم يقول: أعاده إليها؛ لأنها هي الأشرف، والضمير راجع إليهما معًا.

فالمقصود: هذا يقابل النوع الذي قيل فيه: إن الضمير المثنى يرجع إلى أحد المذكورين، والله أعلم.