الإثنين 02 / رجب / 1447 - 22 / ديسمبر 2025
تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ۚ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى ٱلْأَرْضِ ۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال: وقوله - تبارك وتعالى -: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [الشورى:4] أي: الجميع عبيد له وملك له تحت قهره وتصريفه.

وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ؛ كقوله تعالى: الْكَبِيرُ الْمُتَعَال [الرعد:9]، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23]، والآيات في هذا كثيرة.

وقوله : تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ الشورى:5.

وقال ابن عباس، والضحاك، وقتادة، والسدي، وكعب الأحبار: أي فَرَقًا، من العظمة.

قوله: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ التفطر هو التشقق.

يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ يعني يتشققن من فوقهن، كما قال الضحاك، والسدي: يتفطرن من عظمة الله من فوقهن.

مِن فَوْقِهِنَّ الضمير يرجع إلى ماذا؟

الأكثرون على أنه يرجع إلى السموات، فإذا كان يرجع إلى السموات: مِن فَوْقِهِنَّ فما المراد بذلك؟

بعض أهل العلم يقول: مِن فَوْقِهِنَّ يعني كل سماء تكاد أن تتفطر من فوق التي تليها: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ كل واحدة تكاد تتفطر من فوق التي تليها، السموات سبع سموات، كل واحدة تكاد تتفطر من فوق التي تليها مِن فَوْقِهِنَّ.

فهذا معنى ذكره بعض أهل العلم.

وبعضهم يقول: إنه: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ يعني من فوق الأرضين.

وهنا يكون الضمير عاد إلى غير مذكور، لكن هؤلاء الذين يحملونه على هذا المعنى يقولون: يمكن أن يعود الضمير إلى غير مذكور، لكونه يفهم من السياق، مثل: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فالضمير هنا يرجع إلى القرآن، ولم يرد للقرآن ذكر، لكنه معلوم من السياق، وهذا المعنى اختاره ابن جرير - رحمه الله -: مِن فَوْقِهِنَّ يعني من فوق الأرضين، مع أن الشنقيطي -رحمه الله- ضعف هذا القول، ولم يعتبره، تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ يعني من فوق الأرضين.

تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ لكن هل هذا هو المعنى المتبادر، حينما يسمع ذلك: مِن فَوْقِهِنَّ؟

المعنى المتبادر أن ذلك يرجع إلى نفس السموات، وليس للأرضين.

وبعضهم يقول: إن مِن هنا: مِن فَوْقِهِنَّ لابتداء الغاية، يعني أن التفطر يبدأ من الجهة العليا للسموات، لماذا يبدأ من الجهة العليا؟

قالوا: لأن إلى الجهة الأعلى هناك من الأمور التي هي أدعى للعظمة والخوف والخشية، وما إلى ذلك، فهي أقرب إلى الآيات العظام، إلى أعلى، يعني العرش، الكرسي، والله فوق العرش، فيبدأ التفطر من الجهة الأعلى للسموات، وذلك؛ لأن الجهة الأعلى هي التي تكون مما يلي الآيات العظام، فيكون ذلك أدعى للخشية والخوف.

وبعضهم يقول: هذا على سبيل المبالغة، كأن كلمة الكفار حيث نسبوا لله الصاحبة والولد والشريك، وما إلى ذلك لما صدرت من أسفل كادت السموات أن تتفطر من فوقهن، يعني لشدة تأثيرها، الآن هذه السموات مثلاً الكلمة هذه صدرت من أسفل، فلشدة وقعها وعظمتها كادت السموات أن تتفطر من فوقها، فما كان من أسفل منها فمن باب أولى، يعني لشدة وقع هذه الكلمة، وأثر هذه الكلمة، أو هذا الإشراك، أو نسبة الصاحبة أو الولد، والجرأة عليه - تبارك وتعالى - أثر ذلك في أعالي السموات، كادت تتفطر، فلا تسأل عن أسفلها، لشدة وقعها أثّرت، هي صادرة من أسفل، فأثرت في الجهة العليا من السموات، كادت أن تتفطر، فتأثيرها في الجهة الأسفل أشد، لكن هذا من باب بيان شدة أثر هذه الكلمة، أو الإشراك: أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ۝ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا [مريم:91-92].

هذا التفطر: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ما سببه؟ ما علته؟.

بعض أهل العلم يقولون: خشية من الله، وخوفًا منه، وإشفاقًا وتعظيمًا، تكاد تتفطر لعظمة ربها، ومليكها وخالقها ، هيبة وإجلالاً له، هؤلاء يقولون: توجد قرائن تدل على هذا الوجه، أو هذا المعنى أنه هو المراد، قالوا هنا في هذه الآية: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ قال: وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ فهم أيضًا كذلك معظمون لله - تبارك وتعالى -، كما قال الله: يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ [النحل:50] فهم خائفون وجِلون، معظمون لله .

ثم أيضًا قبله قال: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ۝ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ [الشورى:4-5] يعني من عظمته وخشيته، كما قال الله : وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ الرعد:13.

والقول الثاني: أن هذا التفطر إنما سببه ما يزعمه المشركون من نسبة الصاحبة والولد إلى الله - تبارك وتعالى -، وجعل الشريك له، فهذه مقالات عظيمة من شدتها وعظمها كادت السموات أن تتفطر؛ كما قال الله : وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا البقرة:116، قال: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ۝ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ۝ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا [مريم:89-91].

فهنا ذكر التفطر، وأنه بسبب مقالتهم هذه، فهذان قولان لأهل العلم، وهما في مضامين كلام السلف حينما يفسرون: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ونجد حينما يذكرون: ما معنى "يتفطرن من فوقهن"؟.

نجد عبارات وإضافات، يؤخذ منها: أن هذا التفطر، إما لكذا، وإما لكذا، إما لمقالة المشركين وشركهم، أو لعظمة الله ، والخوف منه، والإشفاق، وإجلاله، وما أشبه ذلك.

وإذا كان القولان لكل واحد منهما ما يدل عليه من القرآن، أو من غيره، كالحديث، ولم يوجد ما يمنع من الحمل على هذه المعاني فالأصل أن ذلك كله داخل في الآية، - والله تعالى أعلم -.

ولو نظرت في القولين، فإن مقالة المشركين التي سببت هذا، إنما يحصل هذا التفطر والتشقق بسبب ماذا؟

هذا يرجع إلى تعظيم الله، وخشيته والخوف منه، لو قال قائل مثل هذا لم يكن بعيدًا، - والله تعالى أعلم -.

وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ؛ كقوله: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [غافر:7].

هنا قوله: وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ التسبيح - كما بينا - هو التنزيه بحمد ربهم، يعني متلبسين بحمد ربهم: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ [الشورى:5] يعني هم يسبحون بحمد الله ينزهونه عما لا يليق به وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ.

بعض أهل العلم يقول: التسبيح هنا يعني موضع التعجب: وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ يعني يتعجبون من جرأة المشركين على الله - تبارك وتعالى -، حيث نسبوا إليه الأنداد والشركاء والصاحبة والولد وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ.

والمتبادر: أن التسبيح يراد به التنزيه، ينزهون الله عما لا يليق بجلاله وعظمته: يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ هذا الاستغفار بعض أهل العلم قال: إن ظاهره العموم، فهم يستغفرون لمن في الأرض، لجميع من في الأرض، حتى الكفار؟! قالوا: حتى الكفار، وأنّ أثر ذلك في تأخير العذاب، وعدم المعاجلة بالعقوبة، فيستغفرون لهم، فيكون الإمهال، لا يعاجلهم الله بالعقوبة.

ومن أهل العلم - وهذا هو الأقرب والله أعلم - من قال: إن هذا العموم: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ مخصص بالآية الأخرى، وهي قوله - تبارك وتعالى -: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ.

والعام يحمل على الخاص، فهم يستغفرون لأهل الإيمان ممن هم بهذه الصفة: لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ.

وهكذا في قوله - تبارك وتعالى -: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الأحزاب:43] ومعلوم: أن صلاة الملائكة بمعنى: الاستغفار.

وقوله: أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ إعلام بذلك، وتنويه به.

باعتبار: "أَلا"، وكذلك ما يُشعر بالحصر من دخول ضمير الفصل هنا "هو" بين طرفي الكلام.

يعني مثل هذا: أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ فيه تأكيد لعظيم غَفْره - تبارك وتعالى - ورحمته.