الأحد 25 / ذو الحجة / 1446 - 22 / يونيو 2025
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ۝ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ۝ وَأَنْ لَّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ۝ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ ۝ وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ ۝ فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ ۝ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ۝ وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ ۝ كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ۝ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ۝ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ۝ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ ۝ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ ۝ مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ ۝ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ۝ وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاء مُّبِينٌ [سورة الدخان:17-33].

يقول تعالى ولقد اختبرنا قبل هؤلاء المشركين قوم فرعون وهم قبط مصر وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ يعني موسى كليمه ، أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ، كقوله : فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى [سورة طـه:47].

قوله - تبارك وتعالى -: وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ يعني موسى، قطعًا جاءهم رسول، هذا الرسول مبهم هنا، لكنه مفسر في مواضع من كتاب الله - تبارك وتعالى -، فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ [سورة طـه:47]، اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [سورة النازعات:17] فهذا من تفسير القرآن بالقرآن، قد يكون الموضع فيه إبهام فيأتي في القرآن ما يفسره، وإذا أردت النظر في هذا بتوسع كبير فانظر مقدمة أضواء البيان ففيها من العلم الشيء الكثير، وفيها من أنواع تفسير القرآن بالقرآن ما لا تجده في كتاب، فرحم الله مؤلفه رحمة واسعة، وقوله هنا: وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ۝ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ هذا كما سبق في طي الكلام واختصار ما يُستغنى عنه بفهم المخاطب، يعني فجاءهم الرسول فقال لهم: "أدوا إليّ عباد الله" لاحظ هنا وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ۝ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، جاءهم رسول أن أدوا فأن هذه تفسيرية، هي مفسرة، وهذا الذي مشى عليه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -، أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ مع أن بعضهم يقول غير ذلك، بعضهم يقول: إنها مخففة من الثقيلة، يعني أنّ الشأن والحديث أدوا إليّ عباد الله، وهكذا قول من يقول: إنها مصدرية، يعني بأن أدوا إليّ عباد الله، كقوله : فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ هنا فسر الآية بالآية دون الدخول في التفاصيل، فما معناه؟ على قول ابن كثير فأرسل معنا بني إسرائيل أدوا إليّ عباد الله، يعني يا معشر الفراعنة، يا فرعون سلم لنا بني إسرائيل، ادفع إليّ قومي، واضح؟ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ فهنا قوله: عِبَادَ اللَّهِ مفعول به، ابن كثير فسرها بقوله: فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فـ "بني إسرائيل" مفعول به، والقرآن يفسر القرآن، فـ"عباد الله" هنا يكون مفعولاً به، بخلاف قول من قال: إنه منادى مضاف أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ، أي أدوا إليّ، ثم ناداهم: يا عباد الله، كأن يقول: عباد الله استجيبوا، لا يكون المقصود به دفع بني إسرائيل إليه، لكن أدوا إليّ يا عباد الله، أدوا ماذا؟.  

أدوا ما وجب عليكم من حقوق الله ، آمِنوا بي، استجيبوا، أو قول من قال: أدوا إليّ سمعكم حتى أبلغكم رسالة ربي، لكن الأرجح أن قوله: عِبَادَ اللَّهِ مفعول به، يعني أن أدوا إليّ بني إسرائيل، ادفعوا إليّ قومي، يقول للفراعنة: أدوا عباد الله إليّ، سلموهم لنا، اتركهم؛ لأن فرعون كان يستعبدهم، فهو يقول: ادفعهم إليّ، خلِّ بيني وبينهم ولا تعذبهم، هذا المراد - والله تعالى أعلم -، وهو صنيع ابن كثير وقبله هو اختيار ابن جرير أي أنه مفعول به، وهذا الذي عليه المحققون.

قال: وقوله - جل وعلا -: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ أي: مأمون على ما أُبلِّغكموه.