السبت 24 / ذو الحجة / 1446 - 21 / يونيو 2025
وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا۟ لِى فَٱعْتَزِلُونِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال: وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ أي: فلا تتعرضوا لي ودعوا الأمر بيني وبينكم مسالمة إلى أن يقضي الله بيننا، فلما طال مقامه ﷺ بين أظهرهم وأقام حجج الله تعالى عليهم كل ذلك وما زادهم ذلك إلا كفرًا وعنادًا دعا ربه عليهم دعوة نفذت فيهم، كما قال - تبارك وتعالى -: وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ۝ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا [سورة يونس:88-89]، وهكذا قال هاهنا: فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ.

يعني هنا قال: دعا ربه عليهم وهذه الآية غير صريحة في صيغة الدعاء، إنما هي في ظاهرها خبر، قال: فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ يعني ما طلب شيئًا معينًا أن يُفعل بهم من العقوبة، أو يعذبهم الله - تبارك وتعالى - ولكن في قوله: وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ۝ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا يعني موسى وهارون - عليهما الصلاة والسلام -، قالوا: لأن هارون كان يؤمِّن على دعاء موسى ﷺ، والمؤمِّن أحد الداعييْن، وهذا يؤخذ منه أن لكل مقام مقال، فتارة يحسن الدعاء لهم بالهداية، وتارة يحسن الدعاء عليهم بالهلاك والاستئصال، فهذا كله جاء في دعاء الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، ونوح ﷺ قال: رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [سورة نوح:26]، والنبي ﷺ دعا على قومه قال: اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف[1]، فهؤلاء الأنبياء الكرام دعوا على أقوامهم، فهؤلاء الذين الآن يريدون من الناس أن يستميتوا استماتة تامة، وأن يستكينوا استكانة كاملة بحيث لا يذكرون الكافر بكفره، وإنما يقولون: الآخر، هذا إذا ما قالوا: إنهم أهل إيمان، وكذلك لا يريدون أن يُدعى على الكفار، ويضيقون بذلك، ويضجون بسببه، وتأخذهم الحمية والأنفة فينفرون، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ ۝ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ [سورة المدثر:50-51] إذا سمعوا الدعاء على الكافرين، فهذا الكلام غير صحيح، فإذا كان المقام يقتضي الدعاء على أعداء الله على الكفار فإن ذلك يكون في موضعه، وقد فعله الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وهم أكمل الناس حالاً، ولا يلزم أن يُدعى لهم في كل موضع بالهداية، وأن يبقى الكلام دائمًا لينًا هينًا سهلاً لطيفًا رقيقًا في كل الحالات وهم يفعلون الأفاعيل، يعني كل الأوهام الكبيرة التي تروج على الناس من حقوق الإنسان، ومن التقارب والحوار، ونبذ أسباب العنف وما إلى ذلك مما يروج على البسطاء الواقعُ يكذبه، انظر الآن ماذا يفعل في بلاد الشام من الأفعال الهمجية التي لو كانت في أوربا في القرون الوسطى عندهم لكان ذلك معقولاً ومدركًا، لكن الآن في وقت الإعلام ما كنا نظن مع أننا نعرف حقد الأعداء، وكيد الأعداء، وأنهم جميعًا أعداء، ولا يرتجى منهم النصر، لكن ما كنا نظن أن الأمر يصل إلى هذه الحال والإعلام ينقل لحظة بلحظة، ويصور ما يجري، ما كنا نتصور أن الأمور تكون بهذه المثابة، كنا نقول: إن ما وقع قبل أكثر    من ثلاثين سنة في حماة لا يمكن أن يتكرر اليوم لاعتبارات كثيرة: منها الإعلام، ووسائل الإعلام، في الأول لم يكن هناك وسائل تذكر، وكان الناس يتناقلون الواحد بعد الواحد أخبارًا من هنا وهناك يتلقفونها، وبقية جمهور الأمة مغيبة عن الحدث؛ لأن الوسائل التي كانت آنذاك موجودة على قلتها لم تكن تُعنى بهذا، وما كانت تنقل تلك الأحداث أصلاً، وإنما يتسامع بها بعض الغيورين فقط، هذا شيء نذكره تمامًا، خطبة واحدة هي التي طارت في الآفاق ينسخها الناس، فيتداولونها بأيديهم، خطبة عرّفت الناس بما يجري، خطبة واحدة!، أما الآن فبالصور وينقل القتل بأبشع الطرق، شيء تقشعر منه الأبدان، قتل وذبح الأطفال، ورمي لهم بالمزابل، شيء لا يفعل حتى مع الحيوانات، ومع ذلك لا إشكال، مع أنه لو قُتل واحد من اليهود في بلد من البلدان لقامت الدنيا من أولها إلى آخرها، ولو أنه كان هذا القتل على الرافضة لقامت الدنيا، وجمعيات حقوق الإنسان، والدول الكبرى، وحفظ الأقليات، وحفظ الحقوق، والاضطهاد الديني وما إلى ذلك، وأما المسلمون فلا بواكي لهم، وهذه هي الحقيقة التي يضعهم الحدث أمامها بصورة جلية لا خفاء فيها، وهذا لا نشك فيه إطلاقًا، نعرفه معرفة تامة، ولكن الله يظهر من الأحداث ما يبين به لأهل الغفلة الذين صدقوا تلك الدعايات حقيقة الأعداء، وأنهم جميعًا أعداء، وأن مثل هؤلاء الأعداء لا ينتظر منهم إطلاقًا أن ينظروا بعين الشفقة والرحمة، أو أن يمدوهم بشيء؛ لأن ما يجري إنما هو شيء يحصل به بعض التشفي لهم؛ لأنهم جميعًا أعداء، ومثل هؤلاء من الباطنية مَن الذي جاء بهم من الجبال ووطّنهم وجعلهم في هذه المرتبة من السلطة وغير اسمهم من النصيريين إلى العلويين، وحاول أن يواري سوءتهم؟، هي الدول المتحضرة، هم الذين فعلوا هذا فأحيوا هذه الفرق وأظهروها ودعموها، بل أظهروا فرقًا جديدة لم تكن موجودة، مثل القاديانية في بلاد الهند، فهم إنما يشاهدون بعض ما يتشفون به، فمن الخطأ كل الخطأ أن يترقب الناس من هؤلاء شيئًا من الإنصاف أو الدعم أو الرحمة والعطف والشفقة، هؤلاء لا شفقة عندهم وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ [سورة آل عمران:119]، يعض أصابعه ويتألم فكيف إذا استطاع أن يجعل هذا الألم فيك؟ من شدة ما يجد بحركة لا إرادية أسنانه تعض أصابعه من التألم، لو استطاع أن يفرغ هذه الشحنة التي تنبعث بهذه الصور - عض الأصابع - لو استطاع أن يفرغها فيك ماذا يفعل؟ إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء [سورة الممتحنة:2] يترجمون العداوة الباطنة بعداوة ظاهرة، فكل أفاك مبين، كل كذاب وكل دجال وكل مغفل ينبغي أن يقف أمام هذا الحدث ويتوب إلى الله - تبارك وتعالى -، وتوضع الأمور في نصابها الصحيح، وأن من خالف عقدُه عقدَك - عقيدته خالفت اعتقادك - خالف قلبه قلبك، ولا يمكن أن يجتمع الناس على غير الحق والإيمان والتوحيد، وإلا فالعداوة متأصلة، ما جُرم هؤلاء الصغار والكبار والنساء والشيوخ والشباب وغير هؤلاء؟ البيئة التي في بلاد الشام ماذا تمثل بالنسبة إليهم؟ شعب قد مورس عليه أنواع التضليل والتضييع، لما وقعت هذه المشكلة كثير من الناس في المخيمات ما كانوا يصلون، ولا يعرفون الله، وسبُّ الله  على طرف الألسن، وكثير من هؤلاء الإخوان الذين ذهبوا إليهم في المخيمات وجدوا أكثر من في المخيم في بعض المخيمات لا يصوم، جاءوهم في رمضان، لا يعرفون الله، ولا يعرفون كيف يتوضئون، ماذا يريدون منهم؟! كيف لو كان هؤلاء من المتدينين؟!

ومعلوم أن التصوف وغير التصوف ينتشر في بلاد الشام، هذا عند كثير من المتدينين، ونحن لا نعمم هذا، ومع ذلك يذبحونهم هذا الذبح، ويفعلون بهم هذا الفعل، كيف لو كان العدو من أصحاب العقيدة الصحيحة التي يسمونها بالوهابية؟ ماذا سيفعلون بهم؟

إذا كانوا هم أمام أناس قد ضُلل كثير منهم عقودًا متطاولة، مساكين لا يعرفون، لا يميزون الاعتقاد الصحيح من الاعتقاد الفاسد، كثير منهم، ولست أعمم هذا، وهذا الحقد تجاههم إذًا لو كانوا أمام أصحاب الاعتقاد الصحيح وأهل السنة حقًّا السنة المحضة ماذا سيفعلون بهم؟ هذا شيء لا يمكن أن يتصور، ولا يتخيل أبدًا،  - نسأل الله العافية.

يقف ذهني عاجزًا كلما أتأمل وأتفكر ماذا يمكن أن يُفعل بالناس أكثر مما فعله الرافضة بأهل السنة في العراق؟!! فجاء هؤلاء بأكثر من هذا، والآن أتأمل وأتخيل لو ظفروا بمن يكنون لهم عداوة أشد ماذا سيفعلون بهم؟، الله أعلم، لكن ذكر لي بعض الإخوان عن بعضهم فيما يتحدثون به في مجالسهم، صارحه بهذا، قال: نحن نتحدث هكذا لو ظفرنا بكم، وذكر له كلامًا يصعب أن يقال، نسأل الله أن يكبتهم، وأن يخزيهم، وأن يهلكهم، وأن يحصيهم عددًا، وأن لا يغادر منهم أحدًا، وأن ينزل عليهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين الظالمين، وأن ينصر إخواننا في بلاد الشام نصرًا مؤزرًا، وأن لا يكلهم إلى أحد من خلقه، أن يغنيهم عن خلقه أجمعين، وإلا فإن أعداء الله كلهم أعداء لهم، لا يريدون بهم خيرًا، وإن قدموا لهم أموالاً أو قدموا لهم أسلحة، فهذه الأسلحة يوظفونها في أمور لا تكون في صالحهم بحال من الأحوال أبدًا، فهي طعوم مسمومة، هي القضية هكذا، لا يقدمون لهم خيرًا، كل ما يقدمه الأعداء لا خير فيه، صندوق النقد الدولي، وغير صندوق النقد، هي مشنقة خذها أو دعها.

فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ [سورة الدخان:22] يعني على إضمار حرف الجر، فدعا ربه بأن هؤلاء قوم مجرمون، هنا سماه دعاء مع أن الصيغة ليس فيها دعاء، هي خبر، لكن كأنه استُغني بذلك عن الدعاء باعتبار أنه ذكر سبب استحقاق الدعاء وهو كون هؤلاء بهذه المثابة، "أن هؤلاء قوم مجرمون" فهم إذًا يستحقون العقوبة، يعني كأنه يقول: هؤلاء قوم مجرمون فعليك بهم يا رب.

  1. رواه البخاري، أبواب الاستسقاء، باب دعاء النبي ﷺ: اجعلها عليهم سنين كسني يوسف، برقم (1006)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة، برقم (675).