الأحد 25 / ذو الحجة / 1446 - 22 / يونيو 2025
إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ لَيَقُولُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

إِنَّ هَؤُلَاء لَيَقُولُونَ ۝ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ۝ فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۝ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [سورة الدخان:34-37]: يقول تعالى منكرًا على المشركين في إنكارهم البعث والمعاد، وأنه ما ثَمّ إلا هذه الحياة الدنيا ولا حياة بعد الممات ولا بعث ولا نشور، ويحتجون بآبائهم الماضين الذين ذهبوا فلم يرجعوا، فإن كان البعث حقًّا فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين، وهذه حجة باطلة وشبهة فاسدة، فإن المعاد إنما هو يوم القيامة لا في الدار الدنيا، بل بعد انقضائها وذهابها وفراغها يعيد الله العالمين خلقًا جديدًا، ويجعل الظالمين لنار جهنم وقودًا، يوم تكونون شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا، ثم قال تعالى متهددًا لهم ومتوعدًا ومنذرًا لهم بأسه الذي لا يرد كما حل بأشباههم ونظرائهم من المشركين المنكرين للبعث كقوم تُبّع - وهم سبأ - حيث أهلكهم الله وخرب بلادهم وشردهم في البلاد وفرقهم شَذَر مَذَر كما تقدم ذلك في سورة سبأ، وهي مصدَّرة بإنكار المشركين للمعاد، وكذلك هاهنا شبههم بأولائك، وقد كانوا عربًا من قحطان، كما أن هؤلاء عرب من عدنان، وقد كانت حمير - وهم سبأ - كلما ملك فيهم رجل سموه تُبعًا، كما يقال: كسرى لمن ملك الفرس، وقيصر لمن ملك الروم، وفرعون لمن ملك مصر كافرًا، والنجاشي لمن ملك الحبشة، وغير ذلك من أعلام الأجناس.

ولكن اتفق أن بعض تبابعتهم خرج من اليمن وسار في البلاد حتى وصل إلى سمرقند واشتد ملكه وعظم سلطانه وجيشه واتسعت مملكته وبلاده وكثرت رعاياه، وهو الذي مصّر الحيرة، فاتفق أنه مر بالمدينة النبوية وذلك في أيام الجاهلية، فأراد قتال أهلها فمانعوه وقاتلوه بالنهار، وجعلوا يَقْرونه بالليل فاستحيا منهم وكف عنهم، واستصحب معه حبرين من أحبار يهود، كانا قد نصحاه وأخبراه أنه لا سبيل له على هذه البلدة، فإنها مهاجر نبي يكون في آخر الزمان، فرجع عنها وأخذهما معه إلى بلاد اليمن، فلما اجتاز بمكة أراد هدم الكعبة، فنهياه عن ذلك أيضًا وأخبراه بعظمة هذا البيت، وأنه من بناء إبراهيم الخليل ، وأنه سيكون له شأن عظيم على يدي ذلك النبي المبعوث في آخر الزمان، فعظَّمها وطاف بها وكساها المُلاء والوصائل والحبر، ثم كر راجعًا إلى اليمن ودعا أهلها إلى التهود معه، وكان إذ ذاك دين موسى فيه مَن يكون على الهداية قبل بعثة المسيح ، فتهود معه عامة أهل اليمن، وروى عبد الرزاق عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ما أدري تُبّع نبيًّا كان أم غير نبي[1]، وروي عن تمام بن عبد الرحمن قال: قال عطاء بن أبي رباح: "لا تسبوا تُبعًا فإن رسول الله ﷺ نهى عن سبه"، والله تعالى أعلم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله: وروى عبد الرزاق عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ما أدري تُبّع كان نبيًّا أم غير نبي، هذا محمول - كما يقول ابن عساكر - على ما كان من النبي ﷺ قبل أن يوحى إليه بشأنه، والرواية أو الحديث الآخر عند أبي داود حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ: ما أدري أتبّع - أو تبّع - كان لعينًا أم لا[2]، يعني هل كان كافرًا أم كان مسلمًا، فالنبي ﷺ كان متوقفًا في أمره قبل أن يوحى إليه بشأنه، وهذا الحديث الذي ذكره المصنف - رحمه الله - وعزاه إلى عبد الرزاق لا وجود له في تفسير عبد الرزاق، ولا في مصنفه، ولكن أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير من طريق معمر شيخ عبد الرزاق، وكذلك أيضًا فعل الثعلبي في التفسير، وتُبّع هذا جاء في حديث آخر صحيح: لا تسبوا تُبعًا فإنه كان قد أسلم[3]، كما يدل عليه هذا الخبر الذي نقله ابن كثير - رحمه الله -، هذا جاء عن سهل بن سعد، وجاء أيضًا عن ابن عباس - ا - وهو حديث صحيح، ولذلك الله - تبارك وتعالى - هنا ما ذمه وإنما ذكر قومه أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ فالذين حصل لهم الإهلاك هم قومه.

  1. رواه الحاكم في المستدرك، برقم (104)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولا أعلم له علة، ولم يخرجاه"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2217).
  2. رواه الحاكم في المستدرك، برقم (3682)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
  3. رواه أحمد في المسند، برقم (22880)، وقال محققوه: "حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة وأبي زرعة عمرو بن جابر، وأبو زرعة أشد ضعفا"، والطبراني في الأوسط، برقم (1419)، وفي الكبير برقم (6013)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2423).