قوله: فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَة الفعل: "اتخذ" يطلب مفعولين، أين المفعول الأول؟، وأين المفعول الثاني؟، هل المفعول الأول "قربانًا"، والثاني "آلهة"؟، هذا قال به بعض المفسرين كابن عطية، وأبي حيان، مع أن أبا حيان - كما هو معلوم - قد انتفع انتفاعًا كبيرًا بتفسير ابن عطية إلا أنه كثير المخالفة والمناقشة له، لكنه هنا وافقه في هذا الموضع.
وبعضهم يقول: إن المفعول الأول لـ"اتخذوا" هو: ضمير راجع إلى الموصول، يقول: الاسم الموصول في قوله: فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا فالضمير يرجع إلى الذين، فيكون هذا هو المفعول الأول، والمفعول الثاني "آلهة"، و"قربانًا" حال، أي: اتخذوها قربانًا، متقربين بها إلى الله، والقربان: كل ما يتقرب به من نسيكة وغير ذلك، فهؤلاء عبدوا هذه المعبودات طلبًا للزلفى والتقرب إلى الله - تبارك وتعالى -، لتشفع لهم.
قوله: ضَلُّوا عَنْهُمْ أي: ذهبوا عنهم، غابوا عن نصرهم، لم ينفعوهم، لم يشفعوا لهم، وهذا الذي دل عليه القرآن في مواضع كثيرة، بل هذه الآلهة تتبرأ منهم.
وبعضهم يقول: إن الضمير في قوله: بَلْ ضَلُّوا راجع إلى الكفار، يعني: أنهم في ذلك اليوم يتنصلون ويتبرءون من الأصنام، ولا يلتفتون إليها؛ لأنهم قد عرفوا بطلان ما ادعوا فيها من الإلهية، والله يذكر هذا في القرآن، ويذكر أيضًا تبرؤ الأتباع من المتبوعين، والأول هو الذي اختاره ابن جرير، وهو المتبادر: بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ يعني: ضلت هذه المعبودات عن عابديها، ذهبت، وتلاشت، واضمحلت، فلم تنفعهم بنافعة.
قوله: وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ أي: كذبهم، يعني: بزعمهم أنها آلهة، وأنها تقربهم إلى الله، فلم يحصل شيء من ذلك.
قوله: وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ أي: وافتراؤهم في اتخاذهم إياها آلهة، فقد خابوا وخسروا في عبادتهم لها، واعتمادهم عليها.