الأحد 06 / ذو القعدة / 1446 - 04 / مايو 2025
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَصَدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ۝ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ۝ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ [محمد:1-3].

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد الأمين، وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين، أما بعد:

فاللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدينا وللحاضرين والمستمعين.

يقول ابن كثير - رحمه الله -: يقول تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ أي: أبطلها وأذهبها ولم يجعل لها ثوابًا ولا جزاء، كقوله تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا [الفرقان:23].

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذه السورة: سورة القتال، ويقال لها أيضًا: سورة الذين كفروا، وهي سورة محمد ﷺ، فقد ذكر اسمه صريحًا ﷺ في هذه السورة.

وهذه السورة كما قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: من السور المدنية.

ونقل عليه بعض أهل العلم الاتفاق، وهذا لا شك فيه.

وإن كان مِن قولٍ فهو في آية منها، فقد ورد عن ابن عباس - ا - وقتادة: استثناء قوله - تبارك وتعالى -: وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ [محمد:13] قالوا: هذه مكية.

مع أنه جاء عن ابن عباس - ا - أن السورة مدنية، ومقصودهم بذلك - يعني أن هذه الآية مكية - أنها نزلت في حجة الوداع، لما أراد النبي ﷺ أن يغادر مكة، هكذا جاء، وكما هو معلوم أنه على الاصطلاح المشهور في المكي والمدني: أن ما نزل بعد الهجرة فهو مدني، وإن كان نازلاً في مكة.

فعلى هذا: هذه الآية تكون من قبيل المدني، وإن نزلت في مكة، لو صحت الرواية، مع أنه أيضًا ورد في رواية ولكنها لا تصح أن النبي ﷺ قال ذلك حينما أراد الخروج من مكة مهاجرًا، فهذا لا يصح، يعني في أسباب النزول، وعليه فلا دليل على أن هذه الآية نازلة في مكة، والله أعلم.

أمّا الموضوع الذي تدور حوله آيات هذه السورة فهي تتحدث عن الطوائف الثلاث، تتحدث عن المؤمنين والكافرين والمنافقين، وأعمالهم وجزائهم، هذا في مجملها.

قوله - تبارك وتعالى -: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ هذه هي الطائفة الأولى، وكثير من المفسرين يقولون: المراد بـالَّذِينَ كَفَرُوا هنا، هم: كفار قريش.

وبعضهم يقول: أهل الكتاب.

ولا شك أن الأول أقوى من الثاني، وإن كان ذلك عامًّا في جميع طوائف الكفار.

وهذا حكم عام في الكافرين: الَّذِينَ كَفَرُوا قال: أي: بآيات الله، كفروا بالله، كفروا برسول الله ﷺ.

وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ "صدوا" بيّنا - سابقًا - أن مادة "صد" تأتي لازمة ومتعدية، وقد مضى الكلام على ذلك في مناسبات كما ذكر الله - تبارك وتعالى - عن المنافقين: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ [المنافقون:2] وذكرنا هناك: أن الآية تحتمل معنيين: أنهم صدوا أي: في أنفسهم، فتكون لازمة، ويحتمل أن تكون صدوا غيرهم، صدوا عن الإسلام، والدخول فيه، صدوا المؤمنين عن الإنفاق في سبيل الله، صدوهم عن الجهاد، كل هذه المعاني مذكورة في تفسير تلك الآية.

وهنا: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ صدوا في أنفسهم، صدوا غيرهم عن سبيل الله، وهو الإسلام.

وبعض أهل العلم كالشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - يفسرها في هذا الموضع بأنها متعدية، يعني صدوا غيرهم، صدوا الناس عن الدخول في الإسلام، وذلك أنه قال: الَّذِينَ كَفَرُوا فهو يقول: إن قوله: الَّذِينَ كَفَرُوا هذا صدودهم في أنفسهم، فلو فسر: وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أي صدوا في أنفسهم لكان تكرارًا، فيكون: الَّذِينَ كَفَرُوا يدل على أنهم صدوا عن الحق في أنفسهم، ابتعدوا عنه، جانبوه، جافوه. وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ صدوا غيرهم.

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ صدوا في أنفسهم، وصدوا غيرهم.

ويمكن أن تتابع الأوصاف وزيادة، وهي أنهم صدوا الناس عن الدخول في الإسلام.

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ بعضهم كالضحاك يقول: وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ يعني عن بيت الله: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [الفتح:25] فهذا من صدهم عن سبيل الله، فصدهم عن سبيل الله أعم من هذا، فهم يصدون عن الدخول في الإسلام، ويصدون عن بيت الله الحرام.

أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذكرنا في مناسبات متعددة معنى كلمة: "الضلال وضل" وأن أصلها بمعنى: الذهاب والاضمحلال، أو الذهاب عن حقيقة الشيء.

فهنا: أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ يقول ابن كثير: يعني أبطلها وأذهبها، ولم يجعل لها ثوابًا ولا جزاءً.

هذا هو المتبادر، وهذا الذي رجحه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله.

ابن جرير - رحمه الله - يقول: جعلها على غير هدى، وغير رشاد.

والضحاك فسر ذلك: أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ يعني أبطل كيدهم، يعني الأعمال التي يكيدون بها دين الله - تبارك وتعالى - وأولياءه، كما قال الله - تبارك وتعالى -: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36].

فالله - تبارك وتعالى - يبطل هذا الكيد، والأعمال والجهود التي يبذلونها للصد عن سبيل الله.

لكن المعنى المتبادر هو أن الله - تبارك وتعالى - أبطلها، كما قال: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا [الفرقان:23] يعني لا يجدون عليها جزاءً وثوابًا.