وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ عطف خاص على عام، وهو دليل على أنه شرط في صحة الإيمان، بعد بعثته - صلوات الله وسلامه عليه.
هذا استنباط صحيح وجيد، فهنا لابد من ذلك: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ هنا الإيمان يدخل فيه الإيمان بمحمد ﷺ، ولكن خصه بالذكر: وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وهذا الموضع الذي ذكر فيه اسمه ﷺ يدل على أنه لا يكفي الإيمان بالله - تبارك وتعالى -، وبالرسل - عليهم الصلاة والسلام - دون الإيمان بمحمد ﷺ.
هنا يقول النبي ﷺ: والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار[1].
فكل هؤلاء من اليهود والنصارى ممن لم يؤمن بمحمد ﷺ فهو كافر، لا يُقبل منه صرف، ولا عدل، وهو من حطب النار.
وقوله - تبارك تعالى -: وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ جملة معترضة حسنة، ولهذا قال : كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ.
قال ابن عباس - ا -: أي: أمْرهم.
وقال مجاهد: شأنهم.
وقال قتادة وابن زيد: حالهم.
والكل متقارب.
وقد جاء في حديث تشميت العاطس: يهديكم الله، ويصلح بالكم[2].
قوله - تبارك وتعالى -: وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ هذه جملة معترضة، والقاعدة: أن المحترزات في القرآن تأتي بحسب الحاجة إليها، تارة لدفع توهم معنى غير مقصود، معنى غير صحيح، كما في قوله - تبارك وتعالى -: إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون:1].
هنا جاء بجملة معترضة: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ثم قال: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ يعني لو أنه قال: إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون، لأوهم أن ما قالوه باطل، وإنما المقصود أنهم لا يعتقدون ذلك، ولا يوقنون به، فقال: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ فجاء بهذه الجملة هنا احترازًا من هذا الفهم لهذا المعنى غير المراد.
والأمثلة على هذا كثيرة.
وهذا من جملة هذه المحترزات: وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ [محمد: 2]. وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ما حال هذا المنزَّل على محمد ﷺ؟
هو الحق من ربهم.
كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ هذا جزاء الإيمان أنه يكون مكفرًا للذنوب والسيئات.
وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ العبارات هنا متقاربة، قال ابن عباس - ا -: أي أمرهم.
وقال مجاهد: شأنهم.
وقال قتادة وابن زيد: حالهم. وكذا قال المبرد.
وابن جرير - رحمه الله - يقول: وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ في الدنيا عند أوليائه، وفي الآخرة في الجنة، يعني أصلح حالهم مطلقًا، أصلح حالهم في الدنيا، وأصلح حالهم في الآخرة.
وعبارات السلف المذكورة هنا لا تنافي ذلك بحال من الأحوال: أصلح أمرهم، أصلح شأنهم، أصلح حالهم، كل ذلك بمعنى متقارب.
وبعضهم يقول: المراد هنا عصمهم من المعاصي، وأرشدهم إلى أعمال الخير.
وهذا من جملة المعاني الداخلة تحته، فإن الله إذا أصلح حالهم - أصلح شأنهم، وأمرهم - صارت لهم الخيرات والبركات، وسخرهم للعمل بطاعته، وكان لهم الجزاء الأوفى في الآخرة.
- رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته، رقم (153) من حديث أبي هريرة .
- جزء من حديث رواه البخاري، كتاب الأدب، باب إذا عطس كيف يشمت، رقم (6224) من حديث أبي هريرة .