السبت 05 / ذو القعدة / 1446 - 03 / مايو 2025
ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱتَّبَعُوا۟ ٱلْبَٰطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّبَعُوا۟ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَٰلَهُمْ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ثم قال : ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ أي: إنما أبطلنا أعمال الكفار، وتجاوزنا عن سيئات الأبرار، وأصلحنا شئونهم؛ لأن: الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ أي: اختاروا الباطل على الحق.

الإشارة هنا بقوله: ذَلِكَ تعود إلى ما ذكر مما أوعد الله به الكفار: أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وما وعد به المؤمنين، أو ما يكون للكفار، ما فعله بالكافرين من إضلال أعمالهم، وما فعله بأهل الإيمان من إصلاح بالهم، ففعل بهم ذلك؛ لأن الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ، فبعضهم يقول: ذَلِكَ مبتدأ، والخبر ما بعده.

وبعضهم يقول: إنه خبر، والمبتدأ مقدر، يعني الأمر ذَلِكَ بسبب أن: الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ.

وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ أي: يبين لهم مآل أعمالهم، وما يصيرون إليه في معادهم، والله أعلم.

ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ يعني لماذا فعلنا بهم ذلك من إضلال الأعمال، وإذهابها وإبطالها؟ اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ​​​​​​​.

وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ يبين لهم مآل أعمالهم، وما يصيرون إليه في معادهم.

فهنا ضرب المثل مضى الكلام عليه في الكلام على الأمثال، وفي مواضع من هذا التفسير كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ أي مثل ذلك الضرب يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ويبين لهم: أَمْثَالَهُمْ يعني أحوال الفريقين: فريق الإيمان، وفريق الكفر، هذه الأحوال الجارية في الغرابة - كما يقول بعض أهل العلم - مجرى الأمثال؛ لأنه كما سبق في الكلام على الأمثال أن المثل عند بعض أهل العلم يقال بالشأن والحال التي فيها غرابة.

ومن ثَمّ فسر هذا الموضع بهذا التفسير.

وبعضهم كالزجاج يقول: كذلك يبين للناس أمثال حسنات المؤمنين، وإضلال أعمال الكافرين.

وابن جرير يقول: كذلك نمثل للناس الأمثال، ونشبه لهم الأشباه، فنلحق بكل قوم من الأمثال أشكالاً.

كل هذا يرجع إلى تفسير المثل، هل هو يرجع إلى معنى الشبه، إلحاق النظير بالنظير مثلاً؟

صاحب الكشاف يقول: كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ في جعل اتباع الباطل مثلاً لعمل الكفار، واتباع الحق مثلاً لعمل المؤمنين، أو في أن جعل الإضلال مثلاً لخيبة الكفار، وتكفير السيئات مثلاً لفوز المؤمنين.

ويمكن أن يفسر ذلك بما هو أسهل من هذا، وأبعد عن التكلف إذا قلنا: إن المثل يأتي بمعنى: الصفة، وقد ذكرت في الكلام على الأمثال: أن حمل المثل في جميع المواضع على ما يتعلق بالشبه، أو ما يرجع إلى الشبه، أنه لا يخلو من إشكال، فتحتاج إلى تكلف في بعض المواضع كما سيأتي في قوله - تبارك وتعالى -: مَّثَلُ الْجَنَّةِ [محمد:15] في بعض المواضع لو فسر بالصفة والنعت فإن ذلك يكون أوضح وأسهل، والعلم عند الله .

كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ الأوصاف التي يكون عليها أهل الإيمان، والأوصاف التي يكون عليها أهل الكفر والضلال.