الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُوا۟ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُوا۟ رِضْوَٰنَهُۥ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ثم قال تعالى: فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ أي: كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم، وتعاصت الأرواح في أجسادهم واستخرجتها الملائكة بالعنف والقهر والضرب، كما قال : وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ [الأنفال:50] الآية.

وقال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ [الأنعام:93] أي بالضرب أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام:93].

ولهذا قال هاهنا: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ.

قوله - تبارك وتعالى - هنا: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ.

هذا الموضع فيه قراءتان متواتران: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ قراءة الجمهور بالفتح: "والله يعلم أسرارهم" جمع سر، الأسرار التي بينهم وبين هؤلاء الكفار الذين اتفقوا معهم على الطاعة في بعض الأمر، ويعلم أسرارهم كلها في هذا وفي غيره، مما يبيتونه من مساخط الله - تبارك وتعالى.

وقراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وهي التي نقرأ بها بالكسر: إِسْرَارَهُمْ على المصدر.

يقول هنا: أي ما يسرون وما يخفون، والله مطلع عليهم، هذه الأشياء التي يبيتونها مع أعداء الله ، ويتفقون معهم عليها، وما يقدمون لهم من التنازلات، الله يعلم ذلك جميعًا، وإن خفي على الناس.

ابن جرير - رحمه الله - حمل هذه الآية على غير ما ذكر، يعني من كون ذلك أنهم: قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ هم الكفار أو اليهود، أو أهل الكتاب، وإنما ذلك لطائفة أيضًا من المنافقين: قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ يعني من المنافقين، يعني أن المنافقين يقول بعضهم لبعض: سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وهذا فيه بعد، والله تعالى أعلم.

يقول: فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ يقول: أي: كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم؟

يقول: فَكَيْفَ "الفاء" هذه لترتيب ما بعدها على ما قبلها.

و"كيف" هذه في محل رفع على أنها خبر مقدم، فكيف علمه بأسرارهم إذا توفتهم الملائكة؟!.

أو في محل نصب بفعل محذوف، يعني كيف يصنعون؟

ويحتمل غير ذلك، كأن تكون خبرًا لـ"كان" مقدرة، يعني فكيف يكونون إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ؟

ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ، ذَلِكَ إشارة إلى التوفي المذكور، توفي الملائكة لهم، في هذه الحال: يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ لماذا؟

لأنهم: اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ.