الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَٰنَهُمْ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ۝ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ۝ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:29-31]: يقول تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ أي أيعتقد المنافقون أن الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين؟، بل سيوضح أمرهم ويجليه حتى يَفهمهم ذوو البصائر، وقد أنزل الله – تعالى - في ذلك سورة براءة فبين فيها فضائحهم، وما يعتمدونه من الأفعال الدالة على نفاقهم، ولهذا إنما كانت تسمى: الفاضحة.

والأضغان: جمع ضغن، وهو ما في النفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله، والقائمين بنصره.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله - تبارك وتعالى -: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ "أم" هذه هي المنقطعة، كما ذكرنا مرارًا أنها بمعنى: بل والهمزة، يعني: بل أحسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم؟

والمرض المراد به هنا: مرض النفاق، وذكرنا في بعض المناسبات: أن المرض في كتاب الله - تبارك وتعالى -: فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً [البقرة:10] يطلق ويراد به: النفاق، وهذا هو الغالب في كتاب الله - تبارك وتعالى.

وقد يطلق ويراد به: ضعفاء الإيمان، وهو أحد المعنيين في قوله - تبارك وتعالى -: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ [الأحزاب:12] يحتمل أن هذا لصنفين من الناس: للمنافقين، وعطف عليه الذين في قلوبهم مرض، أن العطف يقتضي المغايرة، عطف عليه ضعفاء الإيمان.

ويحتمل: أنه من قبيل عطف الأوصاف التي ترجع إلى موصوف واحد، وهذا ذكرنا نظائره أيضًا.

والإطلاق الآخر هو الميل المحرم إلى النساء، كما في آية الأحزاب: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32] يعني المريض الذي يميل ميلاً محرمًا إلى النساء.

فهنا في هذه الآية المراد: النفاق أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ والقلوب تمرض كما تمرض الأبدان، وتموت كما تموت الأبدان، وشر عللها هو النفاق.

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يعني المنافقين أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ؟

الحافظ ابن كثير - رحمه الله - يقول: أيعتقد المنافقون أن الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين؟ بل سيوضح أمرهم ويجليه، حتى يَفهمهم ذوو البصائر.

أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ الإخراج بمعنى: الإظهار، يعني: أن الله يكشف دخائلهم، وما تنطوي عليه نفوسهم من الضغائن.

وفسر ذلك - أعني الأضغان - بالأحقاد، هذا قال به جماعة من السلف فمن بعدهم.

وفسر ذلك بمعانٍ أيضًا متقاربة.

بعضهم يقول: الغش.

وبعضهم يقول: الحقد.

وبعضهم يقول: الحسد.

وبعضهم يقول: العداوة.

وكل هذا متقارب؛ لأن هذه الأحقاد التي في قلوبهم إنما تثمر غشًّا وعداوة، فتارة يفسرون هذا ببعض لوازمه، أو ببعض آثاره، أو ببعض معانيه.

فالأضغان هي ما ينطوي عليه القلب من المشاعر غير الحميدة تجاه الآخرين.

يعني أنه يحمل في نفسه عليهم حقدًا وغلا، يعني أنه يتحامل عليهم، هذا هو المراد.

والعقائد وما تنطوي عليه النفوس لا شك أنه يؤثر في سلوك الإنسان، فيظهر ذلك في نظر العين، ويظهر ذلك على اللسان، ويظهر في تصرفات الجوارح، وذلك أن الناس أسرى لأفكارهم ومعتقداتهم، هذه المكنونات في النفوس تسيطر على تصرفات أصحابها، وتسوقهم إلى مقتضياتها، فيصدر عنهم كل قول قبيح، وكل فعل قبيح، كما هو معلوم.

وهذا يدل دلالة واضحة لا لبس فيها على أن هؤلاء المنافقين ليسوا فقط يكفرون في الباطن، ويريدون مجرد حقن الدماء، وإحراز الأموال، وإنما هم أيضًا يتحاملون على أهل الإيمان، ويحملون نحوهم مشاعر العداوة والبغض، فهذه المشاعر التي يحاولون أن يداروها وأن يخفوها يظهرها الله - تبارك وتعالى - على فلتات الألسن، وصفحة الوجه، وتأتي الأحداث والمواقف التي تبين وتكشف عن حقيقة هؤلاء، بحيث لا يستطيع الواحد منهم أن يخفي هذه المكنونات في بعض الأحوال، وذلك إما بحالات تمر على أهل الإيمان من الضعف أو الهزيمة، أو نحو ذلك، فيرفع هؤلاء عقيرتهم بالوقيعة، والثلب، والسب، والشتم، والأذى، ويرمونهم بكل قول قبيح، وبكل وصف شنيع، فهم لا يفتئون في الوقيعة، والتخذيل، والذم، وتفريق الصف، وبث الأراجيف، فهذه بضاعتهم، وهذه آثار هذه الأضغان التي تنطوي عليها نفوسهم.