الأحد 28 / شوّال / 1446 - 27 / أبريل 2025
وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلْءَاخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ۝ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ۝ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ ۝ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ۝ فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [سورة المائدة:27-31].
يقول تعالى مبيناً وخيم عاقبة البغي، والحسد، والظلم في خبر ابني آدم لصلبه، وهما قابيل، وهابيل، كيف عدا أحدهما على الآخر فقتله بغياً عليه، وحسداً له، فيما وهبه الله من النعمة، وتقبل القربان الذي أخلص فيه لله ، ففاز المقتول بوضع الآثام، والدخول إلى الجنة، وخاب القاتل، ورجع بالصفقة الخاسرة في الدارين."

فبعد أن ذكر الله طرفاً من خزي بني إسرائيل، وأعمالهم الفاسدة، وكفرهم بالله ذكر بعده ما وقع من ابني آدم - عليه الصلاة، والسلام - حيث قتل أحدهما أخاه، وجاء بهذا السياق: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا، فقوله: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ أي: على بني إسرائيل ليبيّن لهم - وهذه هي المناسبة، والله تعالى أعلم - أن الظلم، والشر، والحسد قديم، وليس بجديد، فهم مسبوقون بهذه الأخلاق السيئة التي اشتهروا بها، وعرفوا بها بين العالمين.
وقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هنا: "خبر ابني آدم لصلبه، وهما قابيل، وهابيل" هذا القيد الذي ذكره أنهما لصلبه احترازاً من قول من قال: إنهما من بني آدم، ولم يكونا من صلبه، بل هما من بني إسرائيل، وأن الله ضرب لهم المثل بما وقع من بعضهم، وهذا في غاية البعد، وهو خلاف الظاهر، ومثل هذا يعتبر من الأقوال الشاذة، وكأن هذا القائل لم يتصور أن يقع ذلك من ابني آدم، وأبوهما نبي - عليه الصلاة، والسلام -، مع قرب العهد بالجنة، ومع ذلك يقع مثل هذا الحسد الذي يؤدي إلى القتل!!
وعلى كل حال الذي لا يصح العدول عنه بحال من الأحوال هو أنهما من صلبه، وفي هذا غاية العبرة، وذلك أن الحسد في قوم لم يطل بعدهم، وعهدهم من الجنة، وأبناء نبي، وقبل وجود الكفر، والشرك، والشر في الأرض، ومع ذلك يفعل هذا الحسد فعله، ثم بعد ذلك يقتل أخاه، فهذا أمر مستغرب، وهو كما وقع من أبناء يعقوب - عليه الصلاة، والسلام - إلا أن ما وقع من ابني آدم أكثر، وأعظم، وأشد، وعلى كل حال القول بأنهما من بني إسرائيل لا يلتف إليه، وهو مثل قول من قال في قوله: فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا [سورة المائدة:24] قال: الرب يعني الأخ الأكبر الذي هو هارون، أي اذهب أنت، وهارون، ولم يتصور أن يقول أصحاب موسى: اذهب أنت مع الله فقاتلا، بل هم يقولون هذا، ويقولون أسوأ من هذا، فلا حاجة لمثل هذه الأقوال الشاذة من أجل تبرئة ساحة هؤلاء اليهود مثلاً، أو أن ذلك لا يتصور من أبناء آدم لصلبه - والله تعالى أعلم -.
"فقال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ [سورة المائدة:27] أي: اقصص على هؤلاء البغاة الحسدة إخوان الخنازير، والقردة من اليهود، وأمثالهم، وأشباههم خبر ابني آدم، وهما هابيل، وقابيل فيما ذكره غير واحد من السلف، والخلف.
وقوله: بِالْحَقِّ أي على الجلية، والأمر الذي لا لبس فيه، ولا كذب، ولا وهم، ولا تبديل، ولا زيادة، ولا نقصان."

يحتمل أن يكون المعنى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ [سورة المائدة:27] أي تلاوة متلبسة بالحق، ويحتمل أن يكون بالحق يتعلق بنبأ، وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ [سورة المائدة:27] أي: نبأً متلبساً بالحق، والقول الأول أقرب.
"كقوله تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [سورة آل عمران:62]، وقوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ [سورة الكهف:13]، وقال: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ [سورة مريم:34]، وكان في خبرهما فيما ذكره غير واحد من السلف، والخلف أن الله تعالى شرع لآدم أن يزوج بناته من بينه لضرورة الحال."

مثل هذه المرويات في تسمية قابيل، وهابيل منقولة عن جماعة من الصحابة لكن كأن ذلك مما أخذ من بني إسرائيل - والله تعالى أعلم -.
"أن الله تعالى شرع لآدم أن يزوج بناته من بينه لضرورة الحال، ولكن قالوا: كان يولد له في كل بطن ذكر، وأنثى، فكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر، وكانت أخت هابيل دميمة، وأخت قابيل وضيئة فأراد أن يستأثر بها على أخيه، فأبى آدم ذلك إلا أن يقربا قرباناً فمن تقبل منه فهي له، فتقبل من هابيل، ولم يتقبل من قابيل، فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه."

على كل حال الله أعلم بهذا، لكن الله أخبرنا أن كل واحد منهما قرب قرباناً فتقبل من هذا، ولم يتقبل من الآخر، فحسده على ذلك، ويكفي هذا القدر، ولا فائدة في معرفة التفاصيل التي وراءه، ومثل هذا لا سبيل إلى الوقوف عليه إلا عن طريق الوحي، ومثل هذا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - مما لا يتوصل إلى معرفته، وكما قال في المقدمة: ومنه موقوف لا يعلم أنه مزيف، ولا منقود.
"وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس - ا - قال: نهي أن تنكح المرأة أخاها توأمها، وأمر أن ينكحها غيره من أخوتها، وكان يولد له في كل بطن رجل، وامرأة، فبينما هم كذلك إذ ولد له امرأة، وضيئة، وولد له أخرى قبيحة دميمة، فقال أخو الدميمة: أنكحني أختك، وأنكحك أختي، فقال: لا، أنا أحق بأختي، فقربا قرباناً فتقبل من صاحب الكبش، ولم يتقبل من صاحب الزرع فقتله" [إسناد جيد]."

زعموا أنه كان صاحب غنم، وأنه كان يرعاها، وأن الآخر كان صاحب زرع، وأن صاحب الزرع أخذ قليلاً من السنبلات، وكان في بعضها حب، وأنه فته بيده، وأكله، والثاني قرب كبشاً سميناً فلم يتقبل من صاحب الزرع، وتقبل من الآخر، ويزعمون أنه طلبه يريد قتله، وأنه فر بغنمه إلى الجبال، فجاءه وهو نائم فقتله غيلة، مع أن ظاهر القرآن أنه حصل بينهما مقاولة، ومجاوبة كما قال تعالى: قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [سورة المائدة:27]، فلا يدل السياق على أنه قتله غيلة، أو أنه قتله وهو نائم كما يقولون: إنه جاء فوجده نائماً فعرّفه إبليس طريقة قتله حيث جاء بطائر فوضع رأسه على حجر، ثم رضخه بحجر آخر، وقال: افعل به هكذا، أو ما يزعمون من أنه لوى عنقه، وأن إبليس علمه كيف يصنع، كل هذا الكلام لا دليل عليه - والله أعلم -.
"ومعنى قوله: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [سورة المائدة:27]: أي ممن اتقى الله في فعله ذلك."

هذا الذي عليه عامة أهل العلم، إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [سورة المائدة:27] أي في فعله ذلك، بمعنى أنه مثلاً في باب الإنفاق أنفق لوجه الله ، وأنفق من المكاسب الطيبة، وأنفق الجزل، ولم يتخير الرديء، فمن اختار الرديء، واستأثر بالجيد لنفسه فإنه لم يتق، كما قال النبي ﷺ في الرجل الذي علق عذقاً من شيص في المسجد، فقال: إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة[1]، والله يقول: وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [سورة البقرة:267] فقالوا: إنه لا يكون متقياً من الحرام أي من كسب غير طيب، أو ما طابت نفسه بهذا، أو نحو ذلك.
ويمكن أن تحمل الآية على العموم، إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [سورة المائدة:27] يعني المتقين لله ؛ ولهذا جاء عن بعض السلف: لو أعلم أنه قبلت لي سجدة واحدة لم أبالِ؛ لأن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [سورة المائدة:27] يعني من المتصفين بالتقوى، ولكن الذين قالوا: إنه في هذا العمل المعين، قالوا: قد يكون الإنسان مذنباً مسرفاً على نفسه لكنه يعمل عملاً يريد به وجه الله فيقبل ذلك منه؛ لأن الله يقول: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [سورة الزلزلة:7-8]، وليس من شرط قبول الأعمال أن يكون الإنسان على قدر من تقوى الله في أحواله كلها فقالوا: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [سورة المائدة:27] في عمله الذي عمله بحيث لم يكن رياء، ولا سمعة، ونحو ذلك.
"وروى ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال: لأن أستيقن أن الله قد تقبل لي صلاة واحدة أحب إليَّ من الدنيا، وما فيها، إن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [سورة المائدة:27]."
  1. أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة - باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة (1610) (ج 2 / ص 25)، وابن ماجه في كتاب الزكاة - باب النهي أن يخرج في الصدقة شر ماله (1821) (ج 1 / ص 583)، وحسنه الألباني في سنن أبي داود برقم (1608).

مرات الإستماع: 0

"نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ [المائدة: 27] هما قابيل، وهابيل."

لم ترد هذه التسمية في الكتاب، ولا في السنة، لكن هذا مشهور، وكأنه متلقى عن بني إسرائيل، وهو على ألسن العلماء يذكرونه، والجمهور على أنهما من صلبه، وهذا ظاهر القرآن بني آدم يعني من صلبه، وكان ذلك أول قتل يقع على وجه الأرض، خلافًا لبعض السلف كالحسن، والضحاك حيث قالوا: "إنهما من بني إسرائيل"[1] وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ [المائدة: 27] أن القتل هذا حصل في بني إسرائيل، وليس لابني آدم من صلبه، وهذا غير صحيح - والله أعلم -.

"إِذْ قَرَّبا قُرْبانًا [المائدة: 27] روي أن قابيل كان صاحب زرع فقرب أرذل زرعه، وكان هابيل صاحب غنمٍ، فقرب أحسن كبش عنده، وكانت العادة حينئذٍ أن يقرب الإنسان قربانه إلى الله، ويقوم يصلي، فإذا نزلت نارٌ من السماء، وأكلت القربان فذلك دليل على القبول، وإلا فلا قبول، فنزلت النار فأخذت كبش هابيل، ورفعته، وتركت زرع قابيل، فحسده قابيل، فقتله."

القربان هو ما يتقرب به عمومًا من ذبحٍ، أو غيره، يعني هذا قرب كبشًا، والآخر قرب زرعًا، وكل هذه أخبار بني إسرائيل، فما يتقرب به يقال له: قربان، لكنه صار بالغلبة يقال: للنسيكة التي هي الذبيحة يتقرب بها إلى الله - تبارك، وتعالى - مثل: الهدي، والأضحية، ونحو ذلك، والحافظ ابن كثير - رحمه الله - ذكر مرويات في سبب ذلك القربان، وجود إسناد أحد هذه الروايات[2] نذكر لكم منها روايتين:

يقول هنا: "وكان من خبرهما فيما ذكره غير واحد من السلف، والخلف، أن الله تعالى شرع لآدم أن يزوج بناته من بنيه؛ لضرورة الحال" - يعني زوج الأخ أخته لضرورة الحال؛ لأنه لا يوجد غيرهم لبقاء النسل - يقول: ولكن قالوا: كان يولد له في كل بطن ذكر، وأنثى، فكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر، وكانت أخت هابيل دميمة، وأخت قابيل وضيئة، فأراد أن يستأثر بها على أخيه، فأبى آدم ذلك، إلا أن يقرب قربانًا فمن تُقبل منه فهي له، فتُقبل من هابيل، ولم يتقبل من قابيل، فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه"[3] هذه أخبار متلقاة عن بني إسرائيل.

وقال: وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "نُهي أن تنكح المرأة أخاها توأمها، وأُمر أن ينكحها غيره من أخوتها، وكان يولد له في كل بطنٍ رجلٌ، وامرأة، فبينما هم كذلك إذ ولد له امرأة وضيئة، وولد له أخرى قبيحة دميمة، فقال أخو الدميمة: أنكحني أختك، وأنكحك أختي، فقال: لا أنا أحق بأختي، فقربا قربانًا فتُقبل من صاحب الكبش، ولم يتقبل من صاحب الزرع، فقتله" قال ابن كثير: إسنادٌ جيد[4].

هذا عن ابن عباس - ا - لكن ابن عباس - ا - من أين تلقى مثل هذا؟نقول: خبر الصحابي في أمرٍ غيبي له حكم الرفع إلا أن يكون ممن يأخذ عن بني إسرائيل، وابن عباس - ا - كان لربما أخذ عن بني إسرائيل، فقد يكون هذا مما تُلقي عن بني إسرائيل - والله أعلم - وجاء في هذا الخبر التسمية لهما قابيل، وهابيل.

 

"إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27] استدل بها المعتزلة، وغيرهم على أن صاحب المعاصي لا يتقبل عمله، وتأولها الأشعرية بأن التقوى هنا يراد بها تقوى الشرك."

إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27] استدل بها المعتزلة، وأيضًا الخوارج، بأن صاحب المعاصي لا يتقبل عمله باعتبار أنه كافر، المعتزلة يقولون: فاسق ملي مخلد في النار، والخوارج يقولون: خارج من الملة أصلاً، وتأولها الأشعرية بأن التقوى هنا يراد بها تقوى الشرك، انتبهوا تكلمنا عن عقيدة المؤلف، وهنا إشكال تأولها هنا ما قال ما تبني هذا، قال: تأولها الأشعرية، لكن ذكر شيخ الإسلام أن هذا قول المرجئة، والأشاعرة تعرفون أن عندهم إرجاء، أن هذا قول المرجئة، أن المقصود به إنما يتقبل الله من المتقين، يعني من يتقون الشرك، فشيخ الإسلام - رحمه الله - يقول: "هذا قول المرجئة حيث أدخلوا أهل الكبائر في اسم المتقين"[5] يعني ماعدا المشركين فهم بجملة المتقين، فماعدا المشركين فهم متقون، فيدخل فيهم أهل الكبائر أنهم من جملة المتقين على هذا فهذا إرجاء، يعني لا يضر مع الإيمان ذنب، فهذا القول فيه إشكال، وشيخ الإسلام حملها هنا: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27] على قبول العمل الذي اتُقي الله فيه، فكان خالصًا موافقًا للمشروع؛ عمل المعين.

ويحتمل أن ذلك كان في شرعهم، ثم نُسخ يعني أن الله لا يتقبل إلا من يتقي عمومًا، لكن في هذه الأمة يتقبل الله من العاصي عملاً صالحًا اتقى الله فيه.

ويحتمل أن المراد بالمتقين: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27] بعضهم قال: أو يحتمل أن يكون مراد به أهل الإخلاص، من عمل ذلك خالصًا لوجه الله، أو أن المقصود التقبل التام الدال عليه احتراق القربان، أو خصوص تقبل القرابين إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27] وذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - : "بأن المراد بذلك هو من اتقى الله في فعله ذلك"[6] وهذا هو الأقرب أن قوله: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27] يعني من اتقى الله في هذا العمل المعين، فإن كان نسيكة مثلاً فيكون على الوجه المشروع، وبإخلاص، يعني تحققت فيها شروط القبول صلاة، صيام، صدقة، حج، عمرة، اتقى الله فيها جاء بها على الوجه المشروع، وكذلك أيضًا كان عمله خالصًا لله - تبارك، وتعالى - هذا هو الأقرب، وليس المعنى إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27] من كان متصفًا بالتقوى تقبل الله أعماله عمومًا، ومن لم يتصف بالتقوى كان عنده فسق، ومعاصي لا يقبل الله منه عملاً هذا ليس بصحيح، يعني المرأة من بني إسرائيل البغي التي سقت الكلب، كان ذلك سببًا لمغفرة الله لها، فالله يتقبل العمل إذا كان موافقًا للمشروع، ولو كان صاحبه فاسقًا، لكنه لا يتقبل من الكافر المشرك.

  1.  انظر: تفسير الطبري (8/324)، والدر المنثور في التفسير بالمأثور (3/56).
  2.  تفسير ابن كثير (3/83).
  3.  المصدر السابق.
  4.  المصدر السابق.
  5.  مجموع الفتاوى (10/322).
  6.  تفسير ابن كثير (3/85).