يقول تعالى مُذكرًا عباده المؤمنين نعمتَه عليهم في شرعه لهم هذا الدين العظيم، وإرساله إليهم هذا الرسول الكريم، وما أخذ عليهم من العهد، والميثاق في مبايعته على متابعته، ومناصرته، ومؤازرته، والقيام بدينه، وإبلاغه عنه، وقبوله منه، فقال تعالى: وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [سورة المائدة:7]، وهذه هي البيعة التي كانوا يبايعون عليها رسول الله ﷺ عند إسلامهم كما قالوا: بايعنا رسول الله ﷺ على السمع، والطاعة في منشطنا، ومكرهنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وقال الله تعالى: وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [سورة الحديد:8].
وقيل: هذا تذكار لليهود بما أخذ عليهم من المواثيق، والعهود في متابعة محمد ﷺ، والانقياد لشرعه، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -."
القول الأول هو المتبادر، وهو الأرجح الذي عليه الجمهور من المفسرين، فالله يخاطب أهل الإيمان بقوله: وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [سورة المائدة:7]، وليس هذا خطاباً لليهود.
ومن أهل العلم من يقول: إن هذا الميثاق المراد به ما أخذ عليهم، وهم في ظهر آدم ﷺ حينما استخرج ربنا - تبارك، وتعالى - الذرية من صلبه كأمثال الذر.
وعلى كل حال الأقرب هو هذا الذي ذكره الحافظ ابن كثير، وهو قول ابن جرير، وقول عامة المفسرين من السلف، والخلف أنه ما أخذ عليهم من المواثيق من طاعة النبي ﷺ، واتباعه، ونصرته، ونصرة دينه، وما شابه ذلك، كما حصل في بيعة العقبة، ونحوها.