"توقيفٌ لأنفسهم" يعني أنهم قالوا ذلك يُعبِرون عن أنفسهم فحسب، يعني كمن يقول مثلاً لمن رأى دلائل الحق: وما لي لا أتبع الحق؟ يكون من باب التوقيف لنفسه، من غير محاجة لغيره، وقد يقول ذلك القائل محاجةً لغيره، حينما يُثبِطه، أو يُعارِضه، فيقول: وما لي لا أؤمن بالله، وقد جاءني الحق ببراهينه، ودلائله الواضحة، فهذا قوله: "أو محاجةً لغيرهم".
وبعض أهل العلم يقول: يقولونه في أنفسهم عندما يُخامِرهم التردد، يعني عند ترك دينهم يترددون هل يتركون دينهم إلى الإسلام، فهذا يحصل لمن أراد أن ينتقل من دينٍ إلى دين، فذلك ليس بالأمر السهل، ويحتمل: أنهم يقولونه لمن يُعارِضهم من أهل ملتهم، أو لمن يُعيِرهم من اليهود، أو غيرهم، بأنهم لم يثبتوا في دينهم، فهذا كله كما قال ابن جزي - رحمه الله - قالوه لأنفسهم، أو قالوه لغيرهم.
وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ [المائدة: 84] حال كوننا نطمع أَنْ يُدْخِلَنَا هذا إذا كانت حالية، وعلى القول الآخر: أن هذه الجمل متعاطفة، الجملة الأولى: وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ والثانية: وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ عطف جملة على جملة، وليس عطف فعل على فعل، يعني: نؤمن، ونطمع.
- تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/670).
- تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/227).