يقول بأن آية: وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ [المائدة: 83] نزلت في النجاشي، وفي الوفد الذين بعثهم إلى رسول الله ﷺ وهم سبعون رجلاً، والذي جاء عن ابن عباس - ا - من طريق ابن أبي طلحة أن ذلك في قصة جعفر، وأصحابه، في القصة المشهورة المعروفة، حينما هاجروا من مكة، وهم: جعفر بن أبي طالب، وعثمان بن مظعون، وابن مسعود، وجماعة فسبقهم المشركون إلى الحبشة، وهم عمرو بن العاص، ومن معه، فذكروا للنجاشي أن هؤلاء قد فرقوا جماعتهم، وادعوا أن فيهم نبيًا، وأنهم سبّوا آلهتهم، وأنهم جاءوا إلى أرضه ليُفرِقوا قومه، ويُفسِدوهم، فدعا بأصحاب النبي ﷺ وسألهم عن ذلك، فقال: هؤلاء المشركون بأن هؤلاء لم يُحيوك بالتحية التي تُحيا بها، فسألهم عن ذلك، فقالوا: حييناك بتحية أهل الجنة، وقالوا له: بأنهم يقولون في عيسى، وأمه غير ما تقولون، فسألهم عن ذلك، فأجابوه أنهم يقولون: هو عبد الله، ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه، فسألهم هل معهم شيء مما أُنزِل عليهم؟ فقرأ عليه جعفر صدر سورة مريم، فأخذ عودًا من الأرض، وقال: والله أن ما سمعه لا يُفارِق، أو لا يُخالِف ما في كتابهم مثل هذه، يعني، ولا شيئًا يسيرًا، وبكى الذين بحضرته من القسس، الذين شهدوا ذلك، وسمعوا القرآن، فهذا من طريق ابن أبي طلحة[2].
وجاء أيضًا عن ابن الزبير عند النسائي في السنن الكبرى[3] وهو في تفسيره[4] وكذلك البزار[5] وابن جرير[6] وابن أبي حاتم[7] أن هذه الآية وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ إلى آخره نزلت في النجاشي، وأصحابه، وهذا بإسنادٍ صحيح عن ابن الزبير، لكن قال: نزلت هذه الآية فيه، وهذا ليس بصريح في سبب النزول، والرواية الأولى عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة ليس فيها تعرض أصلاً لسبب النزول.
فهاتان روايتان صحيحتان، وأما ما ذكره في وفد نجران، قال: "وكانوا نصارى عشرين رجلاً"، هذا غير، وفد نجران الذين جاءوا بعد الهجرة، وأنزلهم النبي ﷺ المسجد، فهؤلاء يختلفون، فهؤلاء يقولون: بأنهم جاءوا بمكة، وسمعوا من النبي ﷺ وسألوه، وربما يكون قد نما إليهم خبره حينما ذهب من ذهب إلى الحبشة، وهم نصارى، فجاء، وفد نجران هؤلاء يقولون قبل الهجرة في مكة، والتقوا بالنبي ﷺ وسمعوا منه القرآن، ودعاهم إلى الإسلام، فبكوا لما سمعوا، وأسلموا، وأن أبا جهل قام إليهم، وذمهم، وعابهم، وقال: بئس الوفد أنتم[8] إلى آخر ما ذكر، لكن هذه الرواية لا تصح - والله تعالى أعلم -.
مِمَّا يعني من ما، يعني بسبب ما عرفوا من الحق، فالثانية لبيان الجنس.
يعني آمنا بالقرآن من عند الله، وآمنا بالرسول ﷺ.
يعني الذين يشهدون بالتوحيد الخالص لله - تبارك، وتعالى - وبالنبوة، والرسالة لرسول الله - عليه الصلاة، والسلام - ويؤمنون بجميع الرسل، وأنهم بلغوا الرسالة، وأدوا الأمانة فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: 53] فيشهدون بالإيمان، والتوحيد، وكذلك بالنبوة، وبالرسالة، وأن الرسل قد بلغوا أممهم البلاغ المبين، وكذلك من الشاهدين على الأمم السابقة، حيث تشهد هذه الأمة بالتصديق، أو بالتكذيب، فهم في جملة أمة محمد ﷺ يشهدون على الأمم، وكذلك هؤلاء الذين قالوا هذا يشهدون شهادة الحق، فكل ذلك يدخل فيه - والله تعالى أعلم -.