الإثنين 04 / محرّم / 1447 - 30 / يونيو 2025
وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَٰنُ لُوطٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ۝ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ ۝ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ۝ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [سورة ق:12-15]، يقول تعالى مهدداً لكفار قريش، بما أحله بأشباههم، ونظائرهم، وأمثالهم من المكذبين قبلهم من النقمات، والعذاب الأليم في الدنيا كقوم نوح، وما عذبهم الله - تعالى - به من الغرق العام لجميع أهل الأرض، وأصحاب الرس، وقد تقدمت قصتهم في سورة الفرقان.

مضى الكلام عن هذا وأقوال المفسرين، بعضهم يقول: إن أصحاب الرس هم قوم شعيب ﷺ، وهذا فيه نظر - والله أعلم -، وبعضهم يقول: إن أصحاب الرس هؤلاء هم الذين جاءهم مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ  [سورة يس:20] يعني الذين ذُكروا في سورة يس هم أصحاب الرس، وبعضهم يقول: إن هؤلاء هم أصحاب الأخدود، وأصحاب الأخدود ذكرهم الله بهذا قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ [سورة البروج:4]، ولم يُذكروا بغيره - والله تعالى أعلم -.

وقال ابن جرير - رحمه الله - في هذا: إنهم قوم رسُّوا نبيهم في بئر؛ لأن الرَّس في لغة العرب بمعنى: البئر إذا كانت غير مطوية، فهؤلاء كأنهم وضعوا نبيهم في بئر، عدوا عليه، وفعلوا به ذلك، وبعضهم يقول غير هذا، وبعضهم يقول: هؤلاء في أنطاكيا، لكن هؤلاء يقولون بناء على آية يس: إن ذلك كان بعد عيسى ﷺ، لكن لا يُعرف نبي بعد عيسى ، وأن ما يُذكر في هذا حتى في أنطاكيا أنه لم يُعرف أن الله بعث رسولاً في أنطاكيا يعني من الناحية التاريخية، فبعض هؤلاء يزعم أن هؤلاء قتلوا حبيباً النجار وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ يقولون: إنه حبيب النجار، وهذا كله من الأخبار الإسرائيلية، وإن قال به بعض السلف كمقاتل وعكرمة.

 وبعضهم يقول: هؤلاء كانوا في مكان آخر في أذربيجان، وأنهم قتلوا أنبيائهم، فجفت أشجارهم، وزروعهم، فماتوا من الجوع، والعطش، وبعضهم يقول: كانوا يعبدون الشجر، وبعضهم يقول: كانوا يعبدون الأصنام، وأنهم قوم شعيب، وبعضهم يقول: هؤلاء ناس أرسل الله إليهم رسوله فقتلوه، وأكلوه، وبعضهم يقول: هذه هي المرداة بقوله: وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ [سورة الحج:45] وهذا بعيد؛ هذه في ذكر أنه أهلكهم الله يعني صارت هذه البئر التي كان يُستقى منها يعني: أيّ بئر، ليست بئراً معينة، وقصور كانت مشيدة هلك أهلها لم يبق منهم باقية، وبعضهم يقول: هي بئر كانت لثمود، وهذا أيضاً لا يخلو من بُعد، وبعضهم يقول غير ذلك.

وبعضهم يقول: الرس: هو الثلج الذي في رؤوس الجبال في المناطق التي يكون فيها الثلج، وبعضهم يقول: اسم وادٍ إلى غير ذلك، وبعضهم يقول: الرس من الأضداد يعني الإفساد بين الناس وكذلك الإصلاح بينهم، فهو صفة من الأوصاف، وبعضهم يقول: هم أصحاب حنظلة بن صفوان، وهذا لا أساس له، وحنظلة بن صفوان يقولون: إنه بعد عيسى ﷺ وإنه جاءهم، ويذكرون خبراً من الإسرائيليات كل هذا لا أساس له، وأصحاب الرس: الرس بئر، ابن جرير يقول: إنهم جعلوا نبيهم فيه - والله تعالى أعلم -.

وبعضهم يقول: الرس هو موضع، وبعضهم يقول: فِعْل كالإفساد بين الناس، أو قول من قال: إنهم رَسُّوا نبيهم يعني أصحاب الرس بمعني هذا الفعل الذي فعلوه رسوا النبي الذي بعث إليهم، أو أنهم قوم أكلوا نبيهم، أو قتلوه، أو إما أن يكون موضعاً، وإما أن يكون فعلاً كحفر البئر مثلاً، الرس حفر، والأقرب - والله أعلم - أن يُقال: إن أصحاب الرس: الرس بئر، وهؤلاء قوم نُسبوا إلى هذا إما أنهم رسُّوا نبيهم فيه، أو غير ذلك - والله تعالى أعلم -.

وَثَمُودُ ۝ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وهم أمته الذين بعث إليهم من أهل سدوم، ومعاملتها من الغور.

قال: إخوان لوط، بعضهم يقول: لأنهم كانوا أصهاراً له، وبعضهم يقول: أصلاً هؤلاء هم في جملة قوم إبراهيم ﷺ، ولذلك الملائكة لما أخبرته أنهم سيُنزلون العذاب بهم قال: إِنَّ فِيهَا لُوطًا [سورة العنكبوت:32] فهم من جملة قوم إبراهيم ، ولوط كان يعرفهم؛ فنسبوا إلى هذا، وهذا فيه بعد - والله أعلم -.

والأخُوّة تذكر بأجزاء معانٍ كما سبق في قوله - تبارك وتعالى -: وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا [سورة الأحزاب:18] آية الأحزاب تحتمل بعض هذه المعاني، قد تكون في النسب بناء على أن بعضهم قال لأخيه في النسب، ويمكن أن يرجع إلى هذا من قال: في القبيلة، يعني فيكون هؤلاء قالوا لبني قبيلتهم، فهنا إخوان لوط كانوا من نفس القوم مثلاً من نفس القبيلة، هو ابن أخي إبراهيم ﷺ، ومعنى ذلك كما قال تعالى: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [سورة العنكبوت:26]، فظاهره أنه لم يكن منهم، يعني ليس من هؤلاء القوم الذين كانوا في هذه الناحية، والأخوّة تقال لمن يشتركون في بلد واحد، وهو أحد المعاني في قوله: وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا كما أن الأخوّة تقال لمن يشتركون في دين واحد، وهذا غير مراد هنا في هذه الآية: وَإِخْوَانُ لُوطٍ؛ لأنهم لم يكونوا على دينه، وفي آية الأحزاب يحتمل بناءً على أن القائلين هم من المنافقين قالوا لإخوانهم من المنافقين وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا، والأخوّة تقال لمن يشتركون في صفة أو في صفات كما في قوله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [سورة الإسراء:27] يعني يسيرون على طريقتهم، وعلى منهاجهم، ويتصفون بأوصافهم، فهنا وَإِخْوَانُ لُوطٍ باعتبار أنهم قومه الذين بُعث فيهم، والنسبة تكون لأدنى ملابسة.

وكيف خسف الله - تعالى - بهم الأرض، وأحال أرضهم بحيرة منتنة، خبيثة بكفرهم، وطغيانهم، ومخالفتهم الحق.

موطن قوم لوط هو نفس البحيرة المسماة بالبحر الميت، هذا الذي يقوله كثير من أهل العلم، ومن المؤرخين، وابن كثير مشى على هذا، وقد مضى ذلك عند قوله تعالى: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِين ۝ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [سورة الصافات:137-138]، وبهذا الاعتبار إذا قلنا بأن هذا مكان قوم لوط فتكون هذه أماكن المعذبين يعني هذه البحيرة المسماة: البحر الميت، وبناء عليه هذه الأشياء التي تستخرج الآن منها، والمنتجات التي فيها، والعلاجات، والمستحضرات الطبية والتجميلية، وما إلى ذلك من منتجات البحر الميت؛ يقال: إذا كان الأمر كذلك فإنه لا يؤخذ ذلك من أماكن المعذبين؛ ولهذا لما استقوا من الآبار في موطن ثمود - أعني أصحاب النبي ﷺ - أمرهم أن يعطوا العجين للدواب، ولا يؤكل منه شيء، وإنما أذن لهم أن يستقوا من بئر الناقة.