الإثنين 04 / محرّم / 1447 - 30 / يونيو 2025
وَأَصْحَٰبُ ٱلْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ۚ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ [سورة ص:13] وهم قوم شعيب ﷺ وَقَوْمُ تُبَّعٍ وهو اليماني، وقد ذكرنا من شأنه في سورة الدخان ما أغنى عن إعادته هنا، ولله الحمد والشكر.

الكلام في أصحاب الأيكة في سورة الحجر وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ ۝ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ [سورة الحجر:78-79] وَإِنَّهُمَا يعني: لما ذكر قوم لوط، وذكر هؤلاء أصحاب الأيكة، وكثير من السلف يقولون في معنى الأيكة: هي الشجر الملتف، وأنهم قوم شعيب، وبعضهم يقول: الأيكة هي اسم لقريتهم، - والله تعالى أعلم -، ولكن الذي عليه عامة أهل العلم أنه اسم للشجر الملتف.

كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ أي كلٌّ من هذه الأمم وهؤلاء القرون كذب رسولهم، ومن كذب رسولاً فكأنما كذب جميع الرسل كقوله - جل وعلا -: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [سورة الشعراء:105] وإنما جاءهم رسول واحد، فهم في نفس الأمر لو جاءهم جميع الرسل كذبوهم فَحَقَّ وَعِيدِ أي فحق عليهم ما أوعدهم الله - تعالى - على التكذيب من العذاب، والنكال، فليحذر المخاطبون أن يصيبهم ما أصابهم، فإنهم قد كذبوا رسولهم كما كذب أولئك.

قوله - تبارك تعالى -: وَقَوْمُ تُبَّعٍ قوم تبع كما يقول ابن كثير - رحمه الله -: هم قوم سبأ كانوا في اليمن، وأن الله عذبهم، وخرب بلادهم، وشردهم في البلاد، وجعلهم الله أي أهل سبأ - أحاديث، ومزقهم كل ممزق، وتبّع لقب مثل: فرعون، وقيصر، وكسرى؛ فمن ملك اليمن يُقال له: تبع، وهؤلاء كانوا من قحطان من العرب، وملك عندهم يقال له: تبع، لكن ما جاء في كون النبي ﷺ توقف فيه هل كان مؤمناً أو لا؟ وجاء في حديث آخر النهي عن سبه، وهذا كله صحيح عن النبي ﷺ، وأنه كان مسلماً، وووجه الجمع بين هذا وهذا أن النبي ﷺ لم يوحَ إليه فيه شيء، ثم بعد ذلك أوحي إليه، وأن تبع هذا كان مسلماً، ولهذا ذم الله قومه ولم يذم تبع، قال: وَقَوْمُ تُبَّعٍ المؤرخون يذكرون له خبراً أنه طاف أماكن كثيرة، وأنه جاء إلي المدينة، وقاومه أهلها، ثم قال له أحبار اليهود: إنك لا تقدر على هذه البلدة؛ لأنها مبعث نبي، فأخذ حبرين من أحبار اليهود، وأنه هم بهدم الكعبة، فقالوا: إنك لا تمكّن من هذا؛ لأنه سيكون لهذا البيت شأن، وقد بناه إبراهيم ؛ فكساها، ثم بعد ذلك انطلق إلى اليمن، وأنه تهود؛ لأن هؤلاء الذين كانوا معه قبل مبعث النبي ﷺ يهود، فدخل في اليهودية، ثم دخل عامة أهل اليمن في اليهودية؛ يعني أنه آمن الإيمان الصحيح في ذلك الوقت قبل مبعث النبي ﷺ، ومن قرأ في كتب البلدان يجد أحياناً في بعض الأماكن مثل المناطق التي حول المدينة: وادي ملل، قريب من المدينة على طريق مكة القديم يبعد نحو أربعين كيلو متراً على طريق مكة تقريباً، وادٍ فيه أشجار من شجر العضاه، شجر فيه شوك يُقال له: ملل، يقال: إن تبّع مر به لما كان ذاهباً متجهاً من المدينة جنوباً وأراد أن يأتي مكة، ثم بعد ذلك يذهب إلى اليمن، فملّه لما نزل به قال: هذا ملل، فسمي بوادي ملل، والوادي لا يخلو من هذا، وكنت أقول: هذا وادٍ ممل، والبقاء به لا يطاق، مع أنه مليء بالشجر، والظليل، ولكل مسمى من اسمه نصيب، وهو معروف إلى اليوم، وبعضهم يذكر أشياء مثل: أن تبّع هذا خرج من اليمن حتى وصل إلى سمرقند، وصار له ملك، وجيوش، وسلطان عظيم إلى آخر ما ذكروا من خبره وفي الحديث: ما أدري تبّع كان نبياً أم غير نبي، ونهى النبي ﷺ عن سبه باعتبار أنه أسلم، فأُوحي للنبي ﷺ في شأنه.