الإثنين 04 / محرّم / 1447 - 30 / يونيو 2025
أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلْأَوَّلِ ۚ بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله تعالى: أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ أي أفأعجزنا ابتداءُ الخلق حتى هم في شك من الإعادة، بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ والمعنى أن ابتداء الخلق لم يعجزنا، والإعادة أسهل منه كما قال : وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [سورة الروم:27]، وقال الله : وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ۝ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [سورة يس: 78-79]، وقد تقدم في الصحيح: يقول الله - تعالى -: يؤذيني ابن آدم يقول: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته[1].

في قوله - تبارك وتعالى -: كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ هنا جاء الفعل مفرداً، ما قال: كذبوا الرسل كُلٌّ كَذَّبَ باعتبار لفظ "كل"، فـ"الرسل" جمع ودخلت عليه "ال" فيحتمل أن تكون "ال" عهدية، يعني: الرسل الذين أرسلوا إليهم، ويحتمل أن تكون للجنس، ولا شك أن من كذب رسولاً فقد كذب بجميع الرسل، وكان أول رسول أرسل إلى أهل الأرض هو نوح ﷺ ومع ذلك قال الله - تعالى -: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [سورة الشعراء:105]، مع أنهم ما أدركوا إلا رسولاً واحداً، من كذب برسول فقد كذب بجميع الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، ومن ثَم هنا إذا قيل: إن "ال" للجنس فهم كذبوا رسولهم، ومن ثم كانوا مكذبين بجميع الرسل كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ [سورة البقرة:285] كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ أي: فحق عليهم ما أوعدهم الله - تعالى - من التكذيب...الخ، إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ [سورة يونس:96] فَحَقَّ وَعِيدِ، فوعيده النار فهذا لا يتخلف، حق عليهم العذاب.

فالوعد لا يتخلف، والوعيد يتخلف، والكريم إذا وعد لا يخلف، وإذا توعد قد لا يحقق الوعيد، ويذكرون البيت المعروف:

وإنِّي وإنْ أوعدتُه أو وعدتُه لمخلفُ إيعادي ومنجزُ موعدي

 يقولون: الوعد بالخير، والإيعاد بالشر، فهذه الكلمة المشهورة هي ليست على إطلاقها في مسألة تخلف الوعيد، فالذين حقت عليهم كلمة العذاب وهم الكفار المخلدون في النار هؤلاء لا يتخلف عنهم الوعيد، هم داخلون النار قطعاً، فلا يتطرق إليهم هذا المعنى من أن الوعيد قد لا يتحقق في حقهم، وإنما هذا في  إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [سورة النساء:48] فهذا فيما دون الشرك، أما أهل الإشراك فوعيده لا يتخلف، وفي هذه المسألة تفصيل، أما أهل الإشراك والخلود في النار فوعيده لا يتخلف في حقهم، أما أهل الإيمان ما دون الشرك فهذا قد يتخلف فيهم الوعيد: هنا في قوله: أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ يعني: أعجزنا عن الخلق الأول؟

وقوله:وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [سورة الروم:27] في الآية الأخرى سبق الكلام عليه من جهة أفعل التفضيل، هل أفعل التفضيل مراد هنا؟ فهذا عنه جوابان:

الجواب الأول: أن "أهون" هنا أفعل التفضيل ليس على بابه، وإنما المقصود مطلق الاتصاف: وهو هين عليه؛ لأنه يستوي في حق الله هذا وهذا، وهو على كل شيء قدير.

والجواب الثاني: أن أَهْوَنُ عَلَيْهِ هذا روعي فيه حال المخاطب، يعني: هذا بالنسبة إليكم - بحسب نظركم -، وهذا كثير في القرآن، وله أنواع، كل نوع تحته أمثلة.

  1. رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: وامرأته حمالة الحطب، برقم (4974).