وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [سورة ق:16-22] يخبر تعالى عن قدرته على الإنسان بأنه خالقه، وعلْمه محيط بجميع أموره، حتى إنه - تعالى - يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر، وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال: إن الله - تعالى - تجاوز لأمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل[1].
وقوله : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ يعني ملائكته - تعالى - أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه، ومن تأوله على العلم فإنما فرّ لئلا يَلزم حُلول أو اتحاد، وهما منفيان بالإجماع - تعالى الله وتقدس -، ولكن اللفظ لا يقتضيه فإنه لم يقل: وأنا أقرب إليه من حبل الوريد وإنما قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ كما قال في المحتضر وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [سورة الواقعة:85] يعني ملائكته، وكما قال - تبارك وتعالى -: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة الحجر:9] فالملائكة نزلت بالذكر وهو القرآن - بإذن الله -، وكذلك الملائكة أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه بإقدار الله - جل وعلا - لهم على ذلك، فللملك لمّة من الإنسان كما أن للشيطان لمّة، وكذلك الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم كما أخبر بذلك الصادق المصدوق.
قوله - تبارك وتعالى -: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ فالله - تبارك وتعالى - يذكر خلقه للإنسان، وأنه قادر عليه، محيط به الإحاطة التامة، لا يخفى عليه من شأنه شيء، ولهذا قال: وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، وأصل الوسوسة في كلام العرب: هي الصوت الخفي، ولهذا يقولون: وسواس الحُليّ مثلاً يعني الصوت الذي يُصدره الحُليّ إذا تحركت المرأة، وتجدون هذا في كلام العرب شعراً ونثراً، المقصود أن مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ يعني ما يُحدث به نفسَه، فهذه الأشياء التي تجري في داخل النفس لا يطلع عليها أحد من الناس، الله - تبارك وتعالى - يعلمها، ويطلع عليها، ولا يخفى عليه منها خافية قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ هنا قال: يعني ملائكته قبل هذا، والمراد بحبل الوريد كما يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله -: حبل الوريد هو الذي بين الحلقوم والودجين، يعني كل إنسان له عرقان معروفان على جانبي العنق، يقال لهما: الودجان، فحبل الوريد بين الحلقوم والودجين يعني أن الإنسان له حبلان عن اليمين وعن الشمال، وبعضهم يقول: هو الحبل الممتد ما بين الحلق أو الحلقوم إلى العاتق من كل جهة واحد، وبعضهم يقول كالحسن البصري: "إن حبل الوريد: هو الوتين"، وهو العرق المعلق بالقلب أو الواصل إلى القلب، العرق المعروف.
وبعضهم يقول: لكل إنسان حبلان وهما الودجان، يعني يقول: هما نفس الودجين عن يمين، وعن شمال، فقوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ حبل الوريد، هذه الإضافة يقولون: هي إضافة بيانية، يعني الحبل الذي هو الوريد، فالآن هذا الحبل يقول ابن جرير - رحمه الله -: هو نفس الوريد كقولهم: مسجد الجامع، وقد مضى الكلام على نظائر هذا، يعني أن الوريد تبيّن، والحبل هو نفس الوريد، حبل الوريد، مسجد الجامع، وقوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، والمراد بالقرب حمله الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هنا على قرب الملائكة، وأهل السنة والجماعة يثبتون صفة القرب لله - تعالى - كما يليق بجلاله، وعظمته، والقرب له أدله كثيرة، ولكن يختلفون في تفسير بعض المواضع هل هي مما يرجع إلى هذه الصفة ويتصل بها أو لا، وفرق بين من ينفي القرب بالكلية، ويؤول النصوص، وبين من يثبت القرب ببعض الأدلة، ويقول: هي دالة على صفة القرب، ولكن الدليل الفلاني ليس في قرب الله وإنما في قرب كذا، قرب الملائكة مثلاً باعتبار السياق أو القرائن، فهذا لا إشكال فيه، وغاية ما يقال فيه عند المخالف يعني من فسره مثلاً بأنه قرب الله يقول: هذا من باب الخطأ في التفسير فقط، وهذا له نظائر، كقوله - تبارك وتعالى -: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ [سورة القلم:42]، هل الساق هنا المقصود به الصفة لله ، أو المقصود الكرب؟ من أهل السنة من فسره بالكرب، هل هذا من التأويل؟
لا يلزم، هم يثبتون صفة الساق، والحديث واضح، وصريح، ولا يقبل التأويل: فيكشف عن ساقه[2]، فهذا دليل على إثبات صفة الساق، لكن الآية هنا تحتمل، فبعضهم قال: إن ذلك يقصد به ما في الحديث من الصفة، وبعضهم قال: الكرب، وهكذا في قوله - تبارك وتعالى -: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [سورة البقرة:115]، هل المقصود به الصفة أو الجهة والناحية؟ وشيخ الإسلام - رحمه الله - يثبت صفة الوجه بأدلة كثيرة، لكن يقول: هذه الآية ليست من آيات الصفات، وهذا الموضع أيضاً كذلك: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ شيخ الإسلام - رحمه الله - يقول: المقصود بهذا الموضع قرب الملائكة، ملك الموت أقرب إليه من حبل الوريد للنصوص الواردة في مجيء ملك الموت فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [سورة الواقعة:83-85]، قال: المراد قرب الملائكة، وقرب ملك الموت، وهذا الذي مشى عليه الحافظ ابن كثيرَ - رحمه الله - هنا يقول: يعني ملائكته - تعالى - أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه، ومن تأوله على العلم فإنما فر لئلا يلزم حلول أو اتحاد وهما منفيان بالإجماع؛ هناك من فسره بالعلم، قال: ليس المقصود قرب الملائكة، وإنما قرب الله - تعالى -، والله عالٍ من خلقه، مستوٍ على عرشه؛ قالوا: المقصود به قرب العلم، قريب بعلمه، وشيخ الإسلام - رحمه الله - يرد على هؤلاء، بقوله: هؤلاء توهموا أن القرب مثل المعية، فالمعية عامة وخاصة، فمعيته العامة مع خلقه بالعلم، والإحاطة مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [سورة المجادلة:7]، وهذه الآية مسبوقة بالعلم أَلَمْ تَرَ أن اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ومختومة بالعلم، كما قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: هذا قرينة ودليل على أن المقصود به كونه مع المتناجين بعلمه، وكذلك المعية الخاصة بالنصر، والتأييد، يعني: ليس بذاته فهو مستوٍ على عرشه، فوق خلقه، فشيخ الإسلام - رحمه الله - يقول: إن القرب ليس كالمعية، المعية تكون عامة وخاصة مع جميع الخلق بالعلم، والإحاطة، أما القرب فإنه في جميع المواضع في القرآن قرب خاص يعني لا يوجد قرب عام.
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ [سورة البقرة:186]، وقول النبي ﷺ: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد[3]، فهذا قرب خاص من الداعين، أو من الساجدين، ولكن القرب العام: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْكُمْ [سورة الواقعة:85] هذا القرب من المحتضرين هذا قرب عام من كل محتضر يقول شيخ الإسلام: "لا يوجد قرب عام في القرآن، إنما ذلك في المعية"، فيقول: هؤلاء الذين فسروه بالعلم ظنوا أنه مثل المعية، فقالوا: بعلمه، يقول: هذا لا وجود له في القرآن، وإنما القرب قرب خاص، ولهذا لما كان هذا القرب من الجميع كل محتضر المؤمن والكافر، فلا يوجد قرب خاص من أهل الكفر؛ إذا هو قرب عام، يقول: هذا القرب العام لا وجود له في القرآن إنما هو قرب خاص، ولا يكون من الكافرين، إذاً إذا كان قريباً من كل محتضر فهذا قرب الملائكة، وابن كثير هنا يذكر أدلة على هذا يقول: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْكُمْ يعني المحتضر، وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ يعني ملائكته كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة الحجر:9] ماذا يقصد بهذه هنا؟ هذه ليس لها علاقة بالقرب؟ يقصد إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، من الذي نزل به على النبي ﷺ جبريل نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ [سورة الشعراء:193-194]، قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وقد نزله بواسطة الملك، كذلك الملائكة أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إلى آخر ما ذكر، ولذلك قال: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ يعني - كما سيأتي - وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ حال تلقي المتلقيين، وشيخ الإسلام له كلام طويل مفصل في كتبه، ومن ذلك: شرح حديث النزول، فأهل السنة يثبتون القرب لله - تعالى -، ويبقى الكلام في بعض المواضع هل هذا من قرب الله أو من قرب الملائكة؟ فهذا لا إشكال فيه إذا أثبت العبد ذلك، والنصوص في قرب الله - تبارك تعالى - متنوعة يعني: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ [سورة البقرة:186]، هذا قرب من الداعين، وهكذا أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، هنا قرب العبد من ربه، وشيخ الإسلام عندما يتكلم على مثل هذا الحديث يقول: يقرّب قلبه إليه، أقرب ما يكون العبد، ما قال: الرب من العبد، العبد من ربه، والعبد في الأرض والله فوق العرش، يقول: فيقرب قلبه إليه وإذا قرب قلبه إليه صار الله قريباً منه، كما تقول مثلاً إذا مشيت إلى مكة، واقتربت منها تقول: قربت منا مكة، مكة قريب منا، يقول: قرب العبد من الرب يعني باللزوم أن الرب يكون قريباً منه، وإن كان الذي اقترب هو العبد أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، لكن في قوله: فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ [سورة هود:61] فهذا قرب خاص من الداعين وهو أحد أدلة هذه الصفة لله - تبارك وتعالى -، وكذلك: من تقرب إليَّ شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً[4]، وكذلك في قوله ﷺ: ولكن تدعون سميعاً قريباً[5]، هذا القرب من الداعين، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته[6]، وكذلك قربه من أهل الموقف يوم عرفة: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة[7]، فهذا يدل على القرب، فأهل السنة يثبتون هذا، لكن عبارة شيخ الإسلام التي أردت أن أوردها يقول: "ولا يلزم من جواز القرب عليه أن يكون كل موضع ذكر فيه قربه يراد به قربه بنفسه؛ بل يبقى هذا من الأمور الجائزة"[8] يقصد: أن النص يحتمل، يعني: غاية ما هنالك أن يقال خطأ في التفسير عند المخالف، يقول: "ويُنظَر في النص الوارد فإن دل على هذا حُمل عليه، وإن دل على هذا حمل عليه"[9]، كما سبق في بعض النصوص أنها في قرب الله - تعالى - يقول: "وهذا كما تقدم في لفظ الإتيان، والمجيء"[10].
يقصد كل هذا عن طريق الملك، بواسطة الملك.
هذا ليس الملك الذي يعلم، والذي خلق، والذي يعلم ما توسوس به نفسه، ثم قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ.
الشنقيطي - رحمه الله - يرى أن القرب هو قرب الله من العبد في هذا الموضع.
شيخ الإسلام يقول: القرب كله خاص بخلاف المعية منها عام، ومنها خاص، فيقول: القرب لا يوجد منه خاص وعام فكله خاص، فلما جاء عند هذا الموضع هذا قرب عام باعتبار جميع الخلق، كل محتضر بهذا الاعتبار، وبناءً عليه شيخ الإسلام يقول: هذا ليس قرب الله ، يقول المواضع التي يثبت فيها قرب الله من العبد هو قرب خاص، قرب من الداعين، قرب من السائلين، قرب من أهل عرفة.
فهذا الذي قال فيه شيخ الإسلام بأنه جائز، يعني أنه يحتمل في بعض المواضع كهذا، والخلاصة أن صفة القرب ثابتة، لكن الخلاف بين أهل السنة في هذه النصوص هل تدل على قرب الله من خلقة أو لا؟، والأمر يسير.
التلقي: هو الأخذ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ والمعنى - كما سبق -: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ تكون إذ هنا متعلقة بـ"أقرب"، أقرب إلى الإنسان من وريد حلقه، إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ يعني حين يتلقى الملكان نحن أقرب إليه في هذه الحال حال التلقي، يعني الله يعلم ما توسوس به نفسه، وعلى هذا التفسير أنه قُرب الله، والله أقرب إليه من حبل وريده الذي هو أقرب الأشياء إليه حال كون الملكين يتلقيان ما يصدر عنه من الأقوال، والأفعال، فالله جعل ذلك عليه - يعني من الملائكة - قطعاً للحجة، وإعذاراً؛ وإلا فالله يعلم حاله، ولكن من باب التثبيت على العبد أنه جعل عليه من الحافظين شهوداً يشهدون عليه وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ [سورة الانفطار:10] يحفظون عمله كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [سورة الانفطار:11-12].
هذا بالإضافة إلى الأمر الثالث وهو نطق الجوارح وشهادة الجوارح، ثم الأمر الرابع وهو إقرار اللسان واعترافه بعد شهادة الجوارح، فكل ذلك من باب التوثيق، وقطع الحجة والعذر على العبد، إذاً على هذا يكون: إِذْ يتعلق بالقرب إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ أقرب حين، وإذ مثل هذه ترد كثيراً، فأهل العلم - أحياناً - يربطونها بشيء قبلها، وبعضهم يجعل ذلك مستأنفاً، واذكر إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ - مثلاً -، يعني بفعل مقدر محذوف إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ [سورة آل عمران:124] أي: واذكر إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ.
القعيد يقال للرَّصَد الذي يرصده، يرصد ما يصدر عنه عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ وهنا أفرده مع أنهما اثنان فقال: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ باعتبار أنه عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، بعضهم يقول: حذف الأول لدلالة الثاني عليه عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه كما مشى على هذا سيبويه، وبعضهم لا يوافق على هذا يقول: إن "قعيد" يصلح للواحد فأكثر عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ وإنه لا حاجة للتقدير، وإن الأصل عدم التقدير كما يقوله الأخفش، أن كلمة قَعِيدٌ تفي لذلك كله عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ يعني كأنه قال: قعيدان، والقعيد هو المُقاعِد كالجليس بمعنى المُجالِس، والأكيل بمعنى المؤاكل، وهذا هو الذي عليه المحققون، ليس قعيد بمعنى: قاعد وإنما مُقاعد رقيب يحفظ أعماله، وأقواله؛ يعني يتتبع أمور الإنسان عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ
- رواه النسائي، كتاب الطلاق، باب من طلق في نفسه، برقم (3433)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1730).
- رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله - تعالى -: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [القيامة:23]، برقم (7439).
- رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482).
- رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب ذكر النبي ﷺ وروايته عن ربه، برقم (7536)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله - تعالى -، برقم (2675).
- رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا علا عقبة، برقم (6384).
- رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم (2704).
- رواه مسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم (1348).
- مجموع الفتاوى (6/14).
- المرجع السابق.
- المرجع السابق.
- مدارج السالكين (2/290).
- المرجع السابق.
- المرجع السابق.