هذا قول الجمهور، واختاره ابن جرير: قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ هذا غير الأول، والجمهور يقولون: إنه الشيطان الذي وكل به يعني القرين، وهو اختيار ابن جرير، وآخرون كمقاتل، وسعيد بن جبير؛ يقولون: هو الملك الموكل بالسيئات، بأي اعتبار يقول الملك هذا؟ يقول: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ لأن الكافر حينها لما يرى كتاب الأعمال لا يغادر صغيرة، ولا كبيرة، ويقول: هذا الذي وكلت به، هذا عمله حاضر، يقول: ربي أعجلَني، لم يمهلني، لعلي أرجع، لعلي أفيق، لعلي أتوب، فهو يكتب مباشرة بمجرد ما يصدر العمل، لا يمهل لعله يحصل توبة، مجرد ما تصدر المعصية يكتبها يقول: ربي أعجَلَني، فيقول: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ، ويقول الله - تعالى -: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، فعلى القول الأول أن القرين هنا من الشياطين - ولكل إنسان قرين - فهذا القرين يعتذر فيقول كما قال الله : وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ أن اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ [سورة إبراهيم:22] فهذا يقول: أي القرين من الجن يقول: ربنا لست أنا الذي أضللته، وأغويته؛ لكن كان متهيئاً للفساد، قابلاً له، منقاداً طالباً للشر، وللمعصية، والمنكر، والكفر بالله - تبارك وتعالى - فاستجاب لي لمّا دعوته إلى ذلك، أما أهل الإيمان فلم يكن لي عليهم سلطان.
- [1] - رواه أحمد في المسند، برقم (11354)، وقال محققوه: "بعضه صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف عطية - وهو ابن سعد العوفي - وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين غير معاوية بن هشام فمن رجال مسلم، وروى له البخاري في "الأدب المفرد" ، وهو حسن الحديث، شيبان: هو ابن عبد الرحمن النحوي، وفراس: هو ابن يحيى الهمداني الخارفي"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2699)، وفي صحيح الجامع، برقم (8051).