السبت 19 / ذو القعدة / 1446 - 17 / مايو 2025
ٱلَّذِى جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [سورة ق:26] أي أشرك بالله فعبد معه غيره فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري عن النبيﷺ قال: يخرج عنق من النار يتكلم يقول: وُكلت اليوم بثلاثة، بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله إلهاً آخر، ومن قتل نفساً بغير نفس، فتنطوي عليهم تقذفهم في غمرات جهنم[1] قَالَ قَرِينُهُ قال ابن عباس - ا - ومجاهد، وقتادة وغيرهم: "هو الشيطان الذي وكل به".

هذا قول الجمهور، واختاره ابن جرير: قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ هذا غير الأول، والجمهور يقولون: إنه الشيطان الذي وكل به يعني القرين، وهو اختيار ابن جرير، وآخرون كمقاتل، وسعيد بن جبير؛ يقولون: هو الملك الموكل بالسيئات، بأي اعتبار يقول الملك هذا؟ يقول: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ لأن الكافر حينها لما يرى كتاب الأعمال لا يغادر صغيرة، ولا كبيرة، ويقول: هذا الذي وكلت به، هذا عمله حاضر، يقول: ربي أعجلَني، لم يمهلني، لعلي أرجع، لعلي أفيق، لعلي أتوب، فهو يكتب مباشرة بمجرد ما يصدر العمل، لا يمهل لعله يحصل توبة، مجرد ما تصدر المعصية يكتبها يقول: ربي أعجَلَني، فيقول: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ، ويقول الله - تعالى -: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، فعلى القول الأول أن القرين هنا من الشياطين - ولكل إنسان قرين - فهذا القرين يعتذر فيقول كما قال الله : وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ أن اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ [سورة إبراهيم:22] فهذا يقول: أي القرين من الجن يقول: ربنا لست أنا الذي أضللته، وأغويته؛ لكن كان متهيئاً للفساد، قابلاً له، منقاداً طالباً للشر، وللمعصية، والمنكر، والكفر بالله - تبارك وتعالى - فاستجاب لي لمّا دعوته إلى ذلك، أما أهل الإيمان فلم يكن لي عليهم سلطان.

رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ [سورة ق:27] أي يقول عن الإنسان الذي قد وافى القيامة كافراً يتبرأ منه شيطانه فيقول: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ أي ما أضللته وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ أي بل كان هو في نفسه ضالاً، قابلاً للباطل، معانداً للحق كما أخبر في الآية الأخرى في قوله: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ أن اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ أن الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة إبراهيم:22]،
  1. [1] - رواه أحمد في المسند، برقم (11354)، وقال محققوه: "بعضه صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف عطية - وهو ابن سعد العوفي - وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين غير معاوية بن هشام فمن رجال مسلم، وروى له البخاري في "الأدب المفرد" ، وهو حسن الحديث، شيبان: هو ابن عبد الرحمن النحوي، وفراس: هو ابن يحيى الهمداني الخارفي"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2699)، وفي صحيح الجامع، برقم (8051).