مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ لا يؤدي ما عليه من الحقوق، ولا بر فيه، ولا صلة، ولا صدقة؛ ظاهره أنه في الحقوق المالية، ابن جرير خصه بالحقوق المالية مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ باعتبار أن الخير هو المال وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [سورة العاديات:8]، فالخير هو المال إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ [سورة البقرة:180] أي مالاً، فبهذا الاعتبار مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ يعني للمال من أن يصل لمستحقيه فيحبس الزكاة الواجبة، الصلة، النفقات، وسائر وجوه البر، والإحسان في المال.
مُعْتَدٍ أي فيما ينفقه، ويصرفه؛ يتجاوز فيه الحد، وقال قتادة: معتدٍ في منطقه، وسيره، وأمره.
مُّرِيبٍ أي شاك في أمره، مريبٍ لمن نظر في أمره.
يقال: أراب الرجل إذا صار ذا ريب، الريب عرفنا في بعض المناسبات أنه شك خاص، شك مع قلق، شك مقلق، هذا الذي يقال له: الريب.
المقصود أن هذا في حال من البعد عن الله، والإعراض مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْر فهو لا يصدر منه خير، لا ينفق، ولا يتصدق، ولا يؤدي الحقوق لأصحابها، وهو في حال من التعدي، والتجاوز؛ مجترئ على حدود الله - تبارك وتعالى -، فإن كان في المال فهو يأخذه من غير حله، ويصرفه في غير حله، وهكذا في سائر أموره، مع ما في قلبه من الريب، والشك؛ فهو ليس على يقين من أمر الآخرة، ولا له إيمان ثابت يردعه، ولهذا الله - تبارك وتعالى - قال في سورة الماعون: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ [سورة الماعون:1] فجعل التكذيب في الدين سبباً لما بعده فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ [سورة الماعون:2]، يدفعه عن حقه وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [سورة الماعون:3] لأنه لا يرجو عائدة في الآخرة، ثم ذكر ما بعده فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [سورة الماعون:4-5] فكأن هذا من صفة هؤلاء من أهل النفاق أو الذين يغفلون عن الصلاة باعتبار أن "عن" هنا بمعنى: عنها وليس السهو فيها، وإنما هم غافلون عنها الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [سورة الماعون:5-7] منع الماعون: هو يمنع الأشياء التي لا يتضرر ببذلها، والمسكين؛ ونحو ذلك، فإذا كان يمنع ما لا ضرر عليه من بذله فكيف سيبذل الأموال، ويتصدق؟ هذا لا يكون، فهو في غاية الشح.