الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
إِذْ دَخَلُوا۟ عَلَيْهِ فَقَالُوا۟ سَلَٰمًا ۖ قَالَ سَلَٰمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ۝ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ۝ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ۝ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ ۝ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ۝ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ۝ قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ[سورة الذاريات:24-30].

هذه القصة قد تقدمت في سورة "هود" و"الحجر" أيضا، وقوله:هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ أي: الذين أرصد لهم الكرامة.

وقوله:قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ الرفع أقوى وأثبت من النصب، فرده أفضل من التسليم؛ ولهذا قال تعالى:وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا[سورة النساء:86]، فالخليل اختار الأفضل.

 فقوله -تبارك وتعالى-:هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ، لما ذكر الله ما للمكذبين، وما للمتقين المؤمنين ذكر بعد ذلك ما وقع لهؤلاء الأمم المكذبة من ألوان المثُلات، فذكر خبر إبراهيم ﷺ ومجيء الملائكة لإهلاك قوم لوط، ثم ذكر أمماً بعدهم، والاستفهام هنا فيهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ؟ كقوله تعالى:هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ؟ [سورة الغاشية:1]، أن ذلك لا شك أبلغ وأدعى لتهيؤ السامع أو المخاطب لتلقي ذلك، ففيه من التشويق ما فيه، هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ، وهو يدل على أن النبي ﷺ لا يعلم الغيب وإنما يتلقى عن الله -تبارك وتعالى.

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ، يعني: ضيوف إبراهيم، فهم جمع من الملائكة؛ لأن "ضيف" مفرد مضاف، والمفرد إذا أضيف إلى معرفة فإن ذلك يكون بمعنى الجمع.

يقول:ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ، فسر المكرمين أي الذين أرصد لهم الكرامة، بمعنى أنه أكرمهم، ذبح لهم عجلاً، وأنضجه وهيأه وقربه، أن إبراهيم أكرمهم، ويمكن أن يفسر بأن ذلك يرجع إلى كونهم من الملائكة، وقد وصف الله -تبارك وتعالى- الملائكة فقال: بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ[سورة الأنبياء:26]، فهذه صفة ثابتة للملائكة، وقال الله: فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ ۝ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ ۝ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ۝ كِرَامٍ بَرَرَةٍ[سورة عبس:13-16]، فالملائكة موصوفون بهذا، وهذا فيه بيان فضل إبراهيم ﷺ ، إذا كان هؤلاء ضيوفه، وخبره يذكره الله لنبيه ﷺ بهذه الطريقة التي فيها ما فيها من التشويق، ويذكر في أشرف كتاب، هذا يدل على منزلة إبراهيم ﷺ.

وهنا قوله: الرفع أقوى وأثبت من النصب، فرده أفضل من التسليم، وجه هذا الكلام أن التقدير في قول إبراهيم  قَالَ سَلامٌ  أي: سلام دائم ثابت عليكم، سلام دائم، فسلام مبتدأ، فهذه جملة اسمية، وتسليم الملائكة، فَقَالُوا سَلامًا أي: سلّمنا سلاماً، جملة فعلية، سلمنا سلاماً، والجملة الفعلية تدل على التجدد والحدوث، والجملة الاسمية تدل على الثبوت، فتسليم إبراهيم ﷺ من هذه الناحية أبلغ من تسليم الملائكة، هكذا ذكر الحافظ ابن كثير، وذكر هذا جماعة كثيرة من أهل العلم كابن القيم وغيره، ومن أهل العلم من يفسره بغير هذا.

وقوله:قَوْمٌ مُنْكَرُونَ وذلك أن الملائكة وهم: جبريل وميكائيل وإسرافيل -عليهم السلام- قدموا عليه في صور شبان حسان عليهم مهابة عظيمة؛ ولهذا قال:قَوْمٌ مُنْكَرُونَ.

من أهل العلم من يقول: إنه استنكر واستغرب لأنهم سلموا عليه، ولا يُعرف السلام في أرضه، فمَن هؤلاء الذين يسلمون؟، فهذا وجه قوله:قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ، هكذا قال بعض أهل العلم، وبعضهم قال: لأنهم جاءوا بهذه الهيئة ولا يعرفهم فقال ما قال، ولم يوجه هذا إليهم مباشرة، ما قال: أنتم قوم منكرون، تأدباً معهم؛ لأن توجيه هذا لا شك أن فيه ما فيه من الإيحاش للضيف أو المخاطب، وإنما قَوْمٌ مُنْكَرُونَ لم ينسب ذلك إليهم في الخطاب، تأدباً وتلطفاً.