قال المفسر -رحمه الله تعالى-: تفسير سورة اقتربت الساعة وهي مكية.
قد تقدم في حديث أبي واقد : أن رسول الله ﷺ كان يقرأ بقاف، واقتربت الساعة، في الأضحى والفِطْر[1]، وكان يقرأ بهما في المحافل الكبار، لاشتمالهما على ذكر الوعد والوعيد وبدء الخلق وإعادته، والتوحيد وإثبات النبوات، وغير ذلك من المقاصد العظيمة.
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ[سورة القمر:1-5].
يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها، كما قال تعالى:أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ[سورة النحل:1]، وقال:اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ[سورة الأنبياء:1] وقد وردت الأحاديث بذلك، روى الحافظ أبو بكر البزار عن أنس أن رسول الله ﷺ خَطَبَ أصحابه ذات يوم، وقد كادت الشمس أن تغرب فلم يبق منها إلا شِفٌّ يسير، فقال:والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه، وما نرى من الشمس إلا يسيرا[2].
حديث آخر يعضد الذي قبله ويفسره، روى الإمام أحمد عن ابن عمر -ا- قال: كنا جلوساً عند النبي ﷺ والشمس على قُعَيْقِعان بعد العصر، فقال:ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى[3].
وروى الإمام أحمد عن سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:بُعِثتُ والساعة هكذا[4]، وأشار بإصبعيه: السبابة والوسطى. وأخرجاه.
وروى الإمام أحمد عن وهب السُّوَائي قال: قال رسول الله ﷺ:بعثت أنا والساعة كهذه من هذه إن كادت لتسبقها، وجمع الأعمش بين السبابة والوسطى.
وروى الإمام أحمد عن الأوزاعي حدثنا إسماعيل بن عبيد الله، قال: قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فسأله: ماذا سمعت من رسول الله ﷺ يذكر به الساعة؟ فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:أنتم والساعة كهاتين.
تفرد به أحمد -رحمه الله- وشاهد ذلك أيضا في الصحيح في أسماء رسول الله ﷺ: أنه الحاشر الذي يُحْشَرُ الناس على قدميه.
وقوله:وَانْشَقَّ الْقَمَرُ قد كان هذا في زمان رسول الله ﷺ، كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة، وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: "خمس قد مضين: الروم، والدخان، واللزام، والبطشة، والقمر"[6]، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء، أي انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي ﷺ وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات.
فقوله -تبارك وتعالى-:اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ الساعة اسم من أسماء القيامة كما هو معلوم، وذِكرُ اقتراب الساعة مع انشقاق القمر ووجه الارتباط بين هذا وهذا يمكن أن يقال -والله تعالى أعلم-: لأن انشقاقه من علامات نبوة محمد ﷺ الذي هو من أشرط الساعة، وزمانه أقرب ما يكون إليها كما تدل عليه هذه الأحاديث وغيرها، وفي الحديث هنا:والشمس على قعيقعان وقعيقعان جبل بمكة مقابل لأبي قبيس الذي عند الصفا، وهنا في هذه الرواية التي أخرجها الإمام أحمد -رحمه الله- عند وهب السوائي قال: وجمع الأعمش بين السبابة والوسطى، وفي بعض النسخ: السباحة، المقصود بها السبابة يقال لها: المسبحة وهو أحسن من تسميتها بالسبابة، وقيل لها: السبابة؛ لأن الرجل كان إذا أراد أن يسب يشير بها، كما أن هذه يشار بها أيضا عند الدعاء فيقال لها: المسبحة، والسباحة، ويقال لها: السبابة، وتسميتها بالمسبحة والسباحة أحسن من تسميتها بالسبابة.
وقضية انشقاق القمر لا شك أنه انشق انشقاقاً حقيقاً، ورآه الناس كذلك، وقد تكلف بعضهم ففسرها بتفسيرات في غاية البعد كالذي يقول مثلاً: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ يعني: اتضحت نبوة محمد ﷺ ببراهينها وضوحاً لا مرية فيه، كما يقال: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ يعني: لشدة تجليه، فهذا تأويل مستكره بعيد، وهذه آية من آيات الله -تبارك وتعالى- ومعجزة من معجزات النبي ﷺ، وإلا فما معنى الآيات والخوارق والمعجزات.
ذكر الأحاديث الواردة في ذلك:
قال في الهامش معلقاً على "مرتين": أي قطعتين، فهو ورد في كثير من الروايات كما سيأتي، وفي غيرها: وصار على فرقتين، ورُئي الجبل بينهما، ويوجد في رواية أخرى ما هو صريح بأنه لا يقصد بمرتين الفرقتين القطعتين؛ لأنه قال بعده: مرة بمكة قبل هجرته، فيبقى النظر هل انشق القمر أكثر من مرة أو لا؟ هذه مسألة ثانية لكن فقط التعليق على قوله مرتين أي قطعتين فيه نظر في تفسير الرواية بهذا.
وروى البخاري عن أنس بن مالك : "أن أهل مكة سألوا رسول الله ﷺ أن يريهم آية، فأراهم القمر شِقَّين، حتى رأوا حِرَاء بينهما"[8]. وأخرجاه أيضا من طرق.
روى الإمام أحمد عن جبير بن مطعم قال: "انشق القمر على عهد رسول الله ﷺ فصار فرقتين: فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، فقالوا: إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم"[9].
تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه، وأسنده البيهقي في "الدلائل" من طريق آخر.
هذا وإن كان في إسناده شيء من الضعف لكن الأحاديث الأخرى تشهد له، وقولهم هنا: "فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم" المقصود به أن هذه آية رآها الناس في كل ناحية، وهو إن سحر كفار قريش الذين بينه وبينهم الخصومة لا يستطيع أن يسحر أهل الأرض جميعا، يعني أنها آية، وفي هذا وفي بعض الروايات الأخرى أصرح وأوضح من هذا ما يدل على أن الناس الآخرين رأوه كذلك، وفي هذا رد على أولائك الذين أولوه ببعض التأويلات المستكرهة وقالوا: إن هذا لو وقع ورآه أهل مكة لرآه أهل الأرض.
ويوجد من الروايات ما يدل على أنه رآه الناس وجاء المسافرون ونقلوا هذه الأخبار.
روى البخاري عن ابن عباس -ا- قال: "انشق القمر في زمان النبي ﷺ"[10]، ورواه البخاري أيضا ومسلم، وروى ابن جرير عن ابن عباس -ا- في قوله:اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ قال: قد مضى ذلك، كان قبل الهجرة، انشق القمر حتى رأوا شقيه[11].
روى الحافظ أبو بكر البيهقي عن عبد الله بن عمر في قوله تعالى:اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ قال: وقد كان ذلك على عهد رسول الله ﷺ انشق فِلْقَتَين: فِلْقَة من دون الجبل، وفلقة من خلف الجبل، فقال النبي ﷺ: اللهم اشهد[12]، وهكذا رواه مسلم، والترمذي، وقال الترمذي: حسن صحيح.
روى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله ﷺ شقين حتى نظروا إليه، فقال رسول الله ﷺ:اشهدوا[13]، وهكذا رواه البخاري ومسلم.
وروى ابن جرير عن عبد الله قال: "لقد رأيت الجبل من فَرْج القمر حين انشق"[14].
ورواه الإمام أحمد عن عبد الله قال: "انشق القمر على عهد رسول الله ﷺ، حتى رأيت الجبل من بين فرجتي القمر"[15].
- رواه مسلم، كتاب صلاة العيدين، باب ما يقرأ به في صلاة العيدين، برقم (891).
- رواه البزار في مسنده، برقم (7242).
- رواه أحمد في المسند، برقم (5966)، وقال محققوه: حديث صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف شريك -وهو ابن عبد الله النخعي-، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.
- رواه الإمام أحمد في المسند، برقم (22862)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة {والنازعات}، برقم (4652)، ومسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (867)، وبرقم (2951)، في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قرب الساعة.
- رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة حم (الدخان)، برقم (4548)، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب الدخان، برقم (2798).
- رواه مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب انشقاق القمر (4/2159)، برقم (2802)، والترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول اللهﷺ باب ومن سورة القمر، برقم (3286)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد في المسند، برقم (12688)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب انشقاق القمر، برقم (3655)، ومسلم (4/2159)، رقم (2802)
- رواه أحمد في المسند، برقم (16750)، وقال محققوه: إسناده ضعيف، حصين بن عبد الرحمن -وهو السلمي- لم يسمع هذا الحديث من محمد بن جبير بن مطعم، بينهما جبير بن محمد بن جبير وهو مجهول، وسليمان بن كثير -وهو العبدي- روى له البخاري عن حصين بن عبد الرحمن متابعة، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.
- رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة القمر، برقم (4585)، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب انشقاق القمر، برقم (2800).
- جامع البيان في تأويل القرآن، لابن جرير الطبري، (22/568).
- رواه مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب انشقاق القمر،، برقم (2800)، وأحمد في المسند، برقم (4270)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأبو يعلى في مسنده، برقم (5196).
- رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة القمر، برقم (4583) ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب انشقاق القمر، برقم (2800)، وأحمد في المسند، برقم (3583).
- جامع البيان في تأويل القرآن، لابن جرير الطبري (22/567)، مؤسسة الرسالة.
- رواه أحمد في المسند، برقم (3924)، وقال محققوه: حديث صحيح.