قوله:وَإِنْ يَرَوْا آيَةً فـ آيَةً نكرة في سياق الشرط فهي للعموم، أيّ آية يرونها يقولوا: سحر مستمر، كما قال الله في سوره الأنعام:وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ [سورة الأنعام: 7] فهم في الوقت الذي يطلبون فيه الآيات إذا رأوا الآية كذبوا بها، وكما سبق في قوله -تبارك وتعالى-:وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ[سورة الحجر: 14-15] من شده مكابرتهم، ولذلك أخبر الله أنه لم يجبهم في ما يطلبون وما يقترحون من نزول الآيات:وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً[سورة الإسراء: 59] يعني: آية مبصرة (فظلموا بها).
هذان القولان بمعنى واحد ذاهب، باطل مضمحل لا دوام له، بمعنى ذاهب فهذا من قبيل اختلاف التنوع الاختلاف الصوري الذي لا يعد من الخلاف، فلا يقال: القول الأول ذاهب، والقول الثاني باطل، الذاهب هو الباطل وهذا هو الأقرب وهو المتبادر لربما من تفسير الآية وهو اختيار كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله-، وبعضهم يقول: المستمر يعني القوي الشديد،وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا عنها، ويقولوا: سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ، يقولون: مأخوذ من إمرار الحبل أي شده الفتل، وبعضهم يقول: مستمر أي دائم مطرد، لا يتوقف ولا ينقطع، وبعضهم يقول: مستمر يعني يشبه بعضه بعضاً، وبعضهم يفسره بمعنى آخر فيقول: هو من المرارة، يعني سحر مُر كما يقال: نفاق حامض، ولعل أقرب هذه المعاني -والله أعلم- أنه ذاهب باطل لا بقاء له، ويلي هذا -والله تعالى أعلم- أنه بمعنى المستمر أي دائم متصل.