يعني: هذا القول الأول وبه قال ابن جرير،وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً يعني: سفينة نوح ﷺ، والقول الثاني: أنه جنس السفن وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ آية تُذكّر بتلك التي حَمل عليها نوحاً ﷺ ومن معه، وهي آية أيضا من آيات الله حيث تجري على الماء، وتحمل فيها الأحمال الثقال من الناس وألوان التجارات وما إلى ذلك،وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً قال: المراد جنس السفن،وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ[سورة يس:41-42]، فما المراد بهذا الفلك المشحون؟ سفينة نوح ﷺ، هذا هو المشهور، لكن قال حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ والمخاطب بذلك ليس من عاصر النبي ﷺ لأن هذا القول أنها سفينة نوح، ولفظ الذرية يطلق على الأجداد على الآباء، ويطلق على الأبناء فهو من الأضداد و ذُرِّيَّتَهُمْ أي: الآباء، ومن أهل العلم من قال: وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ليس المقصود الفلك الذي حَمل به نوحاً ﷺ ومن معه، وإنما جنس السفن فتكون الذرية بمعنى الأبناء.
الله يقول:فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ[سورة العنكبوت:15]،إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ[سورة الحاقة:11-12]، والمقصود بقوله:لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً يحتمل أن يكون المراد به هذه الفعلة إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا يحتمل أن تكون هذه، فعلنا ذلك؛ لتكون آية، وتذكرة من أجل الاتعاظ والاعتبار كما قال الله عن قوم نوح: أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً[سورة الفرقان:37] فالآية هي ما وقع لهم من الغرق،ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً[سورة الشعراء:120-121]، ويحتمل أن تكون الآية هي التذكرة هي السفينة.
ولهذا قال هاهنا:فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أي: فهل من يتذكر ويتعظ؟
روى الإمام أحمد عن ابن مسعود ، قال: أقرأني رسول الله ﷺ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن، مُدَّكر أو مُذَّكر؟ قال: أقرأني رسول الله ﷺ: مُدَّكِرٍ.
وهكذا رواه البخاري عن عبد الله قال: قرأت على النبي ﷺ: فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ فقال النبي ﷺ: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.