الإثنين 16 / صفر / 1447 - 11 / أغسطس 2025
وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا۟ بِٱلنُّذُرِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ ۝ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ ۝ نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ ۝ وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ ۝ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ۝ وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ ۝ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ۝ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ[سورة القمر:33-40].

يقول تعالى مخبرا عن قوم لوط كيف كذبوا رسولهم وخالفوه، وارتكبوا المكروه من إتيان الذكور، وهي الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين؛ ولهذا أهلكهم الله هلاكا لم يُهلكه أمةً من الأمم، فإنه تعالى أمر جبريل ، فحمل مدائنهم حتى وصل بها إلى عَنَان السماء، ثم قلبها عليهم وأرسلها، وأتبعت بحجارة من سجيل منضود؛ ولهذا قال هاهنا:إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا وهي: الحجارة.

وهنا يقال كما في الموضع السابق كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ، وكذلك ما سيأتي من قوله: وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ[سورة القمر:41] بالآيات المنذرة التي تنذرهم من عذاب الله ونقمته، وكل موضع يفسر بحسبه، يعني هنا في قوله:كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِكما سبق في ثمود كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ، وفي فرعون وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ يمكن أن يفسر بالآيات التي جاءهم بها موسى ﷺ وهي تسع آيات بينات، فكانت النتيجة أن قال له فرعون: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا[سورة الإسراء:101]، ويمكن أن يكون هناك باعتبار أن أقل الجمع -عند بعض أهل العلم وهو قول الإمام مالك -رحمه الله- اثنان، كما قال الله -تبارك وتعالى-:الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ[سورة البقرة:197] وهي شوال وذو القعدة وبعض ذي الحجة على قول طائفة كبيرة من أهل العلم، وكذلك فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ[سورة النساء:11]، والأم تحجب حجب نقصان من الثلث إلى السدس باثنين وهكذا، قال في المراقي:

أقل معنى الجمع في المشتهر اثنان عند الإمام الحميري

 الحميري هو الإمام مالك -رحمه الله-، فيمكن أن يكون باعتبار أنه جاءه موسى وهارون، فقال الله :وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ فجمع باعتبار أن أقل الجمع اثنان، والله أعلم.

إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ أي: خرجوا من آخر الليل فنجوا مما أصاب قومهم، ولم يؤمن بلوط من قومه أحد ولا رجل واحد حتى ولا امرأته، أصابها ما أصاب قومها، وخرج نبي الله لوط وبنات له من بين أظهرهم سالما لم يمسَسْه سوء؛ ولهذا قال تعالى: كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ ۝ وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا أي: ولقد كان قبل حلول العذاب بهم قد أنذرهم بأس الله وعذابه، فما التفتوا إلى ذلك، ولا أصغوا إليه، بل شكّوا فيه وتماروا به.

هنا قال:كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ هذا التكذيب أطلقه الله -تبارك وتعالى-، فهم كذبوا نبيهم ﷺ وتمالئوا عليه، وأرادوا إخراجه أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ[سورة النمل:56]، وبعض أهل العلم يقول: بالتتبع لجميع المواضع التي ذكر فيها قوم لوط، يقول: ما خاطبهم لوط ﷺ بالتوحيد، فقال بعضهم: إن هؤلاء لم يكن عندهم شرك لكن كانت عندهم هذه الفاحشة، وهذا ليس بلازم، فالله يذكر من خبر هؤلاء الأمم والأقوام المهلَكة ما يذكر لحكمة يقتضيها المقام، فهؤلاء جاءوا بأول ذنب كبير اخترعوه وابتدعوه لم يسبقوا إليه فذُكروا به، لكن هذا لا يعني أنه ما عندهم شرك! ناس يفعلون هذا ويتخذونه بدلاً لما أحله الله لهم، ويكابرون غاية المكابرة، ويصرون عليه، ويكذبون نبياً من أنبياء الله -تبارك وتعالى-، فهؤلاء لا يسلمون من الشرك، ولولا فساد عقائدهم ما حصل منهم هذا الاستكبار والعتو على الله إلى هذا الحد أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فكونه لم يذكر الخطاب بالتوحيد لا يعني أنه ما كان عندهم شرك، والله أعلم.