فقوله -تبارك وتعالى-:وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ يحتمل أن يكون المراد بذلك ما ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا: "أي إنما نأمر بالشيء مرة واحدة لا نحتاج إلى تأكيد بثانية"، يعني:إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ[سورة النحل:40]، وهذا يدل على كمال قدرته -تبارك وتعالى- ويحتمل أن يكون المراد بذلك معنى أخص من هذا، وهو الساعة، فإن الساعة تأتي بغتة لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً[سورة الأعراف:187]، وقد ذكر النبي ﷺ ذلك بقوله:تقوم الساعة والرجل يحلب اللقحة فما يصل الإناء إلى فيه حتى تقوم، والرجلان يتبايعان الثوب فما يتبايعانه حتى تقوم، والرجل يَلِطُ في حوضه فما يصدر حتى تقوم( )، وهكذا في أشياء ذكرها النبي ﷺ، فأمر الساعة ووقوعها شيء مباغت سريع في غاية السرعة، وهذا القول داخل ضمن القول الأول، والقول الأول أشمل، وقد دل على كل واحد منهما القرآن، فدل على الأول قوله تعالى:إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ في غاية السرعة، وكذلك أيضاً أمر الساعة فإنه يقع سريعاً وهو من جمله أمره -تبارك وتعالى-:كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ والمقصود باللمح بالبصر هو النظرة الخاطفة التي لا يسترسل صاحبها في النظر فيها، تقول لمحة، حصلت لمحة: نظرة سريعة.