الأربعاء 21 / ذو الحجة / 1446 - 18 / يونيو 2025
وَكُلُّ شَىْءٍ فَعَلُوهُ فِى ٱلزُّبُرِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله:وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ أي: مكتوب عليهم في الكتب التي بأيدي الملائكة -عليهم السلام.

وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ الزبر يعني الكتب، ويحتمل أن يكون المراد بذلك اللوح المحفوظ باعتبار أن الله كتب فيه مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، ويقول الله:كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا[سورة الإسراء:58] يعني: مكتوباً، ويحتمل أن يكون ذلك في الكتب التي بأيدي الملائكة، والمقصود بها كتب الأعمال التي يعملها العبد،مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[سورة ق:18]،وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا[سورة الكهف:49]، فيكتب عليهم هذه الأعمال، ثم بعد ذلك يوم القيامة يجدون هذه الكتب فآخذٌ كتابه بيمينه، وآخذٌ كتابه بشماله، ويحتمل أن يكون المراد بالكتب: التي بأيدي الملائكة مما يكتب فيه القدر، فإن القدر مكتوب، فالأمور المقدرة مكتوبة في اللوح المحفوظ، وهناك كتابة في صحف بأيدي الملائكة، وهذه هي التي قال الله فيها:يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ[سورة الرعد:39] يعني: اللوح المحفوظ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ، ويقول: "أي مكتوب عليهم في الكتب التي بأيدي الملائكة"، وهذا الذي قاله الحافظ ابن كثير قال به جمع من المحققين، وممن قال به من المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: "بالزبر" يعني: الكتب التي بأيدي الملائكة، ولا يقصدون بها التي كتبت فيها أقدار وأعمال بني آدم، وإنما المقصود ما عملوه من خير وشر مما دونته عليهم الملائكة، وهو مشار إليه بقوله -تبارك وتعالى-:يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً ،وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ يعني: في الماضي، ما هو ما سيعملونه في المستقبل،وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ، ومن قال: إن المقصود به اللوح المحفوظ فالقرينة هي السياق، وهو قوله -تبارك وتعالى-:إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ۝ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ۝ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ[سورة القمر:49-51]، ثم قال:وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ۝ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ[سورة القمر:52-53]، مكتوب يحتمل أن يكون مما سيعمله العباد، ما عملوه، وما سيعملوه والواقع أن الجميع مكتوب، فكل ما سيعمله العاملون مكتوب، وما عملوه في الزمن الماضي كل ذلك مكتوب قبل أن يعملوه، وهو مكتوب إذا عملوه، كل هذا دلت عليه الأدلة، والقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة،وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ مكتوب قبل عمله، مكتوب في اللوح المحفوظ، ومكتوب في الصحف التي بأيدي الملائكة التي كتب فيها القدر، والتقدير منه ما هو أزلي، والذي في علم الله، وما كتب في اللوح المحفوظ، ومنه ما هو عمري وهو مجيء الملك إليه، كما في حديث الصادق المصدوق:فيُؤمر بأربع كلمات...[1]، ومنه ما هو حولي في السنة فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ[سورة الدخان:4]، وكذلك الأعمال التي يعملها الإنسان تكتب، فالجمع بين هذه الأقوال ما عملوه وما سيعملوه كل ذلك مكتوب، وهو الذي رجحه الحافظ ابن القيم -رحمه الله.

 

  1. [1] - رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، برقم (3036)، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، برقم (2643).