قوله -تبارك وتعالى-: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ هذا يذكره العلماء دائماً، هذا السؤال الوارد الذي أجاب عنه الحافظ ابن كثير بجواب وجيه وهو الذي وضع له الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- كتابه "دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب" يعني ما ظاهره التعارض يعني في موضع قال: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ، وفي موضع آخر: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ [سورة الصافات:24] كيف نجمع بينها؟ وهكذا في مواضع من كتاب الله قد يقف عندها القارئ ويشتبه عليه الأمر، و يلتبس كيف يجمع بين هذه الآية و هذه الآية؟ و هكذا في الأحاديث مثل:لا عدوى.......[1]، مع حديث:فِر من المجذوم فرارك من الأسد[2]، كيف نجمع بين هذه الأحاديث؟ والعلماء صنفوا في الأحاديث التي ظاهرها التعارض وجمعوا بينها وكان مثل ابن خزيمة يقول: لا يأتيني أحد بحديثين يظن بينهما التعارض إلا جمعت بينهما، وألف في مثل هذا الطحاوي -رحمه الله- كتاب مشكل الآثار، و كذلك ابن قتيبة -رحمه الله- ألف مشكل القرآن، ومن أحسن هذه الكتب فيما يتعلق بالقرآن كتاب الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - وهو مطبوع في آخر الأضواء، و في الطبعة الجديدة طبع في مجلد مستقل أو في مجلدين، هنا فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ يمكن أن يكون وجه ذلك لا يُسْأَلُ؛ لأنه معروف كما قال الله يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ [سورة الرحمن:41] من سواد الوجوه، وزرقة العيون، وما يَرهقهم من القتَرة، والذلة، فيمكن أن يوجه هذا بهذا المعنى، كما ذكره بعض أهل العلم، ويمكن أن يكون فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ سؤال استعلام واستخبار؛ لأن الله عليم بكل شيء، ولكنه في الموضع الآخر وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ، مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [سورة المدثر:42-43]، هذا سؤال تبكيت، والمنفى هو سؤال الاستعلام فالله عالم بهم، وقد كتب عليهم جميع الأعمال وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [سورة الكهف:49]، أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [سورة المجادلة:6] فيكون السؤال المنفي سؤال الاستعلام، والسؤال المثبت سؤال التبكيت، ومن أهل العلم من قال: إن يوم القيامة يوم طويل، ففي وقت منه لا يُسألون، وفي وقت يسألون إذا قاموا من قبورهم يهرعون كأنهم إلى نصب يوفضون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة، فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ وفي مقام آخر من ذلك اليوم يسألون، ومنهم من يقول: لا يسألون سؤال استعتاب يعني قد تسأل غيرك من أجل أن يذكر عذره ليُعذر، ويقبل منه هذا لا مجال فيه يوم القيامة لهؤلاء المجرمين، وإنما يسأل سؤال تبكيت ما الذي حملك على الكفر ومشاقة الله ومحادة رسله؟، هم في النار يعذبون مَا سَلَكَكُمْ ما الذي أدخلكم النار؟، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ [سورة المدثر:43-44]، فهذا ليس سؤال استعلام، فقد علم تماماً الأمر الذي أدخلهم النار، فهذا الجواب الذي ذكره الحافظ - رحمه الله - هو من أشهر الأجوبة، ومن أحسنها وأوضحها، لا يسأل سؤال استعلام، ومن أهل العلم من قال: إنه يختم على الأفواه وتنطق الجوارح تشهد عليهم، لكن هذا من أضعفها -والله أعلم-، وهو راجع إلى ما ذكرنا من أن ذلك في أحوالٍ من يوم القيامة، وذاك الجواب أوضح وأحسن من أن يخص ذلك بأنه بعد الختم على الأفواه، يخص الجواب بهذا، والله أعلم.
- رواه البخاري، كتاب الطب، باب لا صفر - وهو داء يأخذ البطن - برقم (5387)، ومسلم، كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول ولا يورد ممرض على مصح، برقم (2220).
- رواه البخاري، كتاب الطب، باب الجذام، برقم (5380).