الجمعة 23 / ذو الحجة / 1446 - 20 / يونيو 2025
عَلَّمَهُ ٱلْبَيَانَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المفسر   -رحمه الله تعالى-: تفسير سورة الرحمن وهي مكية.

روى الإمام أحمد عن زِرٍّ، أن رجلا قال لابن مسعود: كيف تعرف هذا الحرف: "ماء غير آسن أو أسن"؟ فقال: كل القرآن قد قرأت، قال: إني لأقرأ المفصل أجمع في ركعة واحدة، فقال: أهذًّا كهذِّ الشعر لا أبا لك؟ قد علمت قرائن النبي ﷺ التي كان يقرن قرينتين قرينتين من أول المفصل، وكان أول مفصل ابن مسعود: الرَّحْمَنُ.

وروى أبو عيسى الترمذي عن جابر قال: خرج رسول الله ﷺ على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا فقال: لقد قرأتها على الجن ليلة الجن، فكانوا أحسن مردوداً منكم، كنت كلما أتيت على قوله:فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد[1]، ثم قال: هذا حديث غريب.

ورواه الحافظ أبو بكر البزار.

وروى أبو جعفر بن جرير عن ابن عمر -ا-؛ أن رسول الله ﷺ قرأ سورة "الرحمن" -أو: قُرِئَت عنده-فقال: ما لي أسمع الجن أحسن جوابا لربها منكم؟، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال:ما أتيت على قول الله:فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ إلا قالت الجن: لا بشيء من نعمة ربنا نكذب[2]، ورواه الحافظ البزار.

الرَّحْمَنُ ۝ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ۝ خَلَقَ الإنْسَانَ ۝ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ۝ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ۝ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ۝ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ۝ أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ۝ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ۝ وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ ۝ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأكْمَامِ ۝ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ۝ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ[سورة الرحمن:1-13]، يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه: أنه أنزل على عباده القرآن ويسر حفظه وفهمه على من رحمه، فقال:الرَّحْمَنُ ۝ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ۝ خَلَقَ الإنْسَانَ ۝ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ قال الحسن: يعني: النطق، وذلك لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن، وهو أداء تلاوته، وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين، على اختلاف مخارجها وأنواعها.

هذا الظاهر -والله تعالى أعلم- من السياق عَلَّمَهُ الْبَيَانَ وهو ما يُبين به عما يختلج في نفسه، وبذلك صار الفرق بينه وبين العجماوات فهي لا تبين، فهذا نوع مَنٍّ امتن الله به على الإنسان، فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ[سورة النحل:4] شديد الخصومة مبين عما في نفسه، ويحتمل أن المراد كما قال طائفة من السلف:عَلَّمَهُ الْبَيَانَ أي: بيان الحلال والحرام، والمعنى الأول أشهر، والآيات الأخرى تدل على هذا كقوله:مُّبِينٌ في صفة الإنسان،عَلَّمَهُ الْبَيَانَ، ومن أهل العلم -كالشيخ الأمين الشنقيطي -رحمه الله- مَن فسره بهذا المعنى يبين عما في نفسه بيان النطق، واحتج له بالآيات التي تصف الإنسان بذلك، ومنهم من فسره بالآخر، والأكثر على الأول، ومن أهل العلم من جمع بين المعنيين ككبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله- قال:عَلَّمَهُ الْبَيَانَ يبين عما في نفسه، يتكلم وأيضاً بيان الحلال والحرام، والله أعلم.

 

  1. رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة الرحمن، برقم (3291)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2150).
  2. جامع البيان في تأويل القرآن، لابن جرير الطبري (22/23)، والبزار في مسنده، برقم (5853)، والبيهقي في شعب الإيمان، برقم (2264)، والحاكم في المستدرك، برقم (3766)، وقال: صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه.