السبت 10 / ذو الحجة / 1446 - 07 / يونيو 2025
فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المفسر-رحمه الله تعالى-: ولما ذكر الفرش وعظمتها قال بعد ذلك:فِيهِنَّ أي: في الفرش قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ[سورة الرحمن:56] أي غضيضات عن غير أزواجهن، فلا يرين شيئاً أحسن في الجنة من أزواجهن، قاله ابن عباس، وقتادة، وعطاء الخرساني، وابن زيد.

وقد ورد أن الواحدة منهن تقول لبعلها: والله ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك، ولا في الجنة شيئاً أحب إليّ منك، فالحمد لله الذي جعلك لي وجعلني لك.

فقوله -تبارك وتعالى-:فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ كما قال الله -تبارك وتعالى- في الموضع الآخر:وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ[سورة الصافات:48] جمع عيناء، وهي واسعة العين، أي جميلات العيون،وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ[سورة ص:52]، يعني في سن متقاربة، أو في سن متحدة، فهذه كلها من أوصاف هؤلاء النساء في الجنة، فهن في غاية الجمال في بياض مشوب بحمرة، في غاية الصفاء مع سعة العيون وتقارب في السن، والإنسان إذا كان له نساء في الدنيا فهذه عمرها ستون سنة، وهذه عمرها أربعون، وهذه عمرها ثلاثون، وأما في الجنة ففي سن الشباب في سن واحد، لا يهرمن، ولا يذهب حسنهن وجمالهن، وقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا:قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ قال: أي غضيضات عن غير أزواجهن فلا يرين شيئا في الجنة أحسن من أزواجهن، قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ باعتبار أن الطرف هنا يراد به طرفهن يعني النظر، وتحتمل الآية معنى آخر قال به بعض السلف: أي قاصرات طرف أزواجهن عليهن لشدة جمالهن فهي في غاية الجمال لا ينظر زوجها إلى أحد سواها، ولا يتطلع إلى نساء أخريات؛ لأن عنده غاية الجمال والحسن فهي تقصر طرف زوجها قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ، ولا شك أن المعنى الأول هو المتبادر، وهو الذي تمدح به المرأة عادة يقال: فلانة قاصرة للطرف، فهي عفيفة بغاية العفة لا تنظر إلى الرجال، ولا تتطلع إليهم بخلاف كثير من نساء الدنيا، فإنها يعجبها هيئة هذا وصورته، ويعجبها منطق هذا ويعجبها شجاعة هذا، ويعجبها أمور كثيرة مما قد تستهويها، وإذا كانت في غاية الجمال فإن هذا قد يفهم منه أنه لا ينظر إلى غيرها، تقصر طرف زوجها؛ ولهذا من أهل العلم من حمله على المعنيين، قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لا تنظر إلى أحد لا تتطلع إلى أحد، وزوجها لا ينظر إلى غيرها لشدة حسنها وجمالها، أي ولشدة الحسن والجمال فهن قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ، ذكر الفرش فقال: مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ[سورة الرحمن:54]، ثم قال بعده:فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، ثم قال:فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ، والمراد بقاصرات الطرف هنا يحتمل أن يكون المراد به الحور العين وليس نساء الدنيا اللاتي في الجنة، والقرينة الدالة على هذا هي أنه قال:لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ وهذا يستغرق جميع الأزمنة، ما سبق أن طُمثت، وهذا وصف الحور العين، أما نساء الدنيا فبخلاف ذلك فهي في الأصل زوجته في الدنيا التي قد طمثها، وهذه لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ، ومن أهل العلم من قال المراد به: نساء الدنيا ينشئهن الله نشأة أخرى والله يقول:إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء ۝ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ۝ عُرُبًا أَتْرَابًا[سورة الواقعة:35-37] عُرُباً متحببات، يعني متحببة إلى زوجها، فالتي عندها حسن التبعل إذا تكلمت معه أو دعاها أجابته وتكلمت معه بأعذب عبارة، وألطفها وأحسنها،أَتْرَابًا يعني في سن متقاربة في غاية الشباب، فهذا يحتمل، ومن أهل العلم من يقول: هؤلاء من نساء الدنيا ما مسهن أحد قبل ذلك، ليست زوجته، وإنما أخريات أيضا يتزوج بهن، لم يمسهن أحد قبل ذلك، وهذا القول يعني أنهن مُتن أبكاراً، وهذا يمكن أن يجاب به على السؤال الذي يسأل عنه كثير من النساء، فالنساء دائماً إذا سمعن عن الحور العين غرن منهن، ويقلن: أنتم لكم الحور العين ونحن ما لنا؟ نقول: أما المتزوجة فإنها لا ترى شيئا أحسن من زوجها قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ، ترى أنه في غاية الحسن والجمال، ولا تطلب غيره، وعلى هذا القول يكون المراد النساء اللاتي لم يتزوجن في الدنيا، وهذا يُسأل عنه كثيراً يقال: التي ماتت ولم تتزوج؟ الرجال يتزوجون بالحور العين، والتي ماتت ولم تتزوج؟ من أهل العلم من يقول: اللاتي مُتن وما تزوجن هن اللاتي على هذه الفرش؛ لأنه قال:لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ماتت وهي بكر، -والله تعالى أعلم-، لكن الآية تحتمل هذه المعاني فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ولعل أبعد هذه المعاني أو أضعفها هو المعنى الأخير مع أن الآية تحتمله، والله أخبر أن الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فيها كل ما يتلذذ به الإنسان وهذا عام، ولذلك يقال للنساء اللاتي لم يتزوجن: لن ينقص من نعيمهن شيء إطلاقاً، لكن الله لم يذكر لنا تفصيلاً في هذا؛ والسبب في ذلك -والله تعالى أعلم- أن العادة جرت بذكر النساء من جملة النعيم وهو من الأشياء المحببة للنفوس، فالله -تبارك وتعالى- مثلا يقول:زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء[سورة آل عمران:14]، أول ما بدأ بالنساء، ولهذا فإن العرب يقولون: إن الأطيبيْن هما النكاح والأكل زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء ثم ذكر البنين والقناطير إلى آخره، لمّا تقرأ النساء هذه الآية زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء، يقلن: ونحن زين لنا حب الشهوات من الرجال؟! فيقال: ما جرت العادة بهذا فالمرأة هي محل متعة الرجل؛ فلذلك إذا ذكر النعيم ذكر النساء وهذا تجده في القرآن في مواضع، فالقرآن جرى على هذه الطريقة المعهودة فيما يتعارفه الناس ويتحدثون به فيما بينهم، وتنجذب إليه أنفسهم وليس معنى ذلك أن المرأة لا يكون لها مثل هذا النعيم، والله تعالى أعلم.

لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ أي: بل هن أبكار عرب أتراب، لم يطأهن أحد قبل أزواجهن من الإنس والجن، وهذه أيضا من الأدلة على دخول مؤمني الجن الجنة.

لَمْ يَطْمِثْهُنَّ قال: بل هن أبكار عرب أتراب لم يطأهن أحد قبل أزواجهن من الإنس والجن لَمْ يَطْمِثْهُنَّ، يعني لم يطأهن، وتفسير من فسره بأنه لم يذللهن لا يخرج عن هذا؛ لأن الموطوءة التي وطئت قد ذللت بالوطء بخلاف من لم توطأ، البكر، ومن أهل العلم من فسره بما هو أخص من الوطء، وطء مع تدمية لَمْ يَطْمِثْهُنَّ أي وطء مع تدمية، يعني افتضاض الأبكار، وهو المعنى الذي فسر به قوله -تبارك وتعالى-:فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ۝ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ[سورة يــس:55-56]، قالوا:فِي شُغُلٍ يعني افتضاض الأبكار؛ لأنه ذكر الأرائك بعده، فمنهم من فسره بهذا المعنى الخاص أنه ليس مجرد الوطء هو الطمث وإنما وطء مع تدمية، وهو الذي قال به كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله-، وجمع من أهل اللغة.

قال أرطاة بن المنذر: سئل ضَمْرَةُ بن حبيب: هل يدخل الجن الجنة؟ قال: نعم، وينكحون، للجن جنيات، وللإنس إنسيات، وذلك قوله:لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ۝ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ .