اختلفوا في السجود واختلفوا في معنى النجم هنا، فـ يَسْجُدَانِ السجود منهم من فسره بالانقياد فهي منقادة لربها، وفاطرها وخالقها خاضعة له، وقد يعبر بالسجود عن هذا المعنى أي الانقياد والخضوع، فيكون قد فسر بأمر معنوي، خاضعة، ومنهم من فسر السجود بسجود الظل كما قال الله -تبارك وتعالى-:يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلّهِ[سورة النحل:48]، فيتحول مع الشمس ظل هذا الشجر، ومن أهل العلم من يقول: الشجر هذا يستقبل الشمس إذا طلعت ثم بعد ذلك يتحول ثم بعد ذلك يميل، يتحول معها إذا انكسر الفيء، ففسروه بميلان الشجر، وهذا لا يحصل لكل الشجر، وإنما هو لبعض أنواعه يستقبل الشمس إذا طلعت ثم يميل معها، ومنهم من فسر سجود النجم بطلوعه إذا طلع وأفوله إذا أفل، والآية تحتمل هذا وهذا، ويحتمل أن يكون سجود الظل كما قال طائفة من السلف: إن الآية الأخرى قد تدل عليه يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ، وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله-، ويمكن أن يكون المراد غير هذا، ولو أن قائلاً قال: نحن نثبت أن هذه الأشياء تسجد لله سجوداً يصلح لمثلها قد لا نعلمه كالتسبيح،وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ[سورة الإسراء:44]،يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ [سورة سبأ:10]،سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[سورة الحديد:1]، كل هذا يسبح لله :وإني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث[1]، وأيضاً: "حنين الجذع، حنّ كحنين العشار لولدها حتى نزل النبي ﷺ وسكنه"[2]، فهذه المخلوقات وهذه الكائنات تسبح لله ، والله يقول:وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ[سورة البقرة:74]، فهذه الجبال تخشى الله، وأخبر النبي ﷺ أن نقيق الضفدع تسبيح[3]، فأعطاها الله من الإدراكات ما يليق بها، ويصلح لمثلها مما لا نعلمه، فهي تسجد وتسبح وإن كنا لا ندرك مثل هذا، ولا يعني أن الإنسان إذا وقف عند هذا لكفاه، دون الدخول في التفاصيل، فإنه لا يقطع بشيء من هذا، يحتمل أن يكون كما ذكر وهو سجود الظل ،والله أعلم.
قوله: ما انبسط على الأرض يعني الذي ليس له ساق مثل: شجر القرع والبطيخ، فمنهم من قال: النجم هو هذا؛ لأنه قابله بالشجر، فالشجر ما له ساق، هذه هي القرينة، وإلا فالمعنى المتبادر أنه النجم المعروف في السماء، لكن الذي جعل هؤلاء يقولون: النجم هو الشجر الذي ليس له ساق قرينة ذكر الشجر، فذكَرَ الشيء وما يقابله.
ففي هذه الآية النجوم لا يمكن أن يكون المراد بها الأشجار التي لا ساق لها، والله ذكر سجود النجوم في السماء، وما ذُكر محتملاً أو مجملاً في موضع من القرآن فإنه يفسر في موضع آخر، ولم يرد في القرآن موضع يذكر فيه سجود النبات ولو موضع واحد، فبناءً على ذلك هنا لما كان النجم محتملاً يمكن أن يفسر بما ورد فيه من سجود النجم الذي في السماء فهذا هو الأقرب، وهو الذي اتفق عليه هؤلاء الأئمة كابن جرير، وابن كثير وهو قول أكثر السلف: النجم الذي في السماء.
- رواه مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي ﷺ وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، برقم (2277).
- رواه الترمذي، أبواب الجمعة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في الخطبة على المنبر، برقم (505)، وأحمد في المسند، برقم (3430)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2174).
- رواه الطبراني في الأوسط، برقم (3716)، والكبير، برقم (1469)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، برقم (4788).