السبت 29 / جمادى الآخرة / 1447 - 20 / ديسمبر 2025
لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَٰهُ حُطَٰمًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله:لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا أي: نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا، وأبقيناه لكم رحمة بكم، بل لو نشاء لجعلناه حطامًا، أي: لأيبسناه قبل استوائه واستحصاده،فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ، ثم فسر ذلك بقوله:إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ۝ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أي: لو جعلناه حطاما لظَلْتُم تفكهون في المقالة، تنوعون كلامكم، فتقولون تارة:إِنَّا لَمُغْرَمُونَ أي: لَمُلْقَون.

وقال مجاهد، وعكرمة: إنا لموقع بنا، وقال قتادة: معذبون.

قوله: "لمُوقع بنا"، يعني: نزلت بنا جائحة، وضبطت في تفسير ابن جرير "لَمُولع بنا" ويكون وجه هذا ما ذكره بعضهم في المعنى "لمُولَع بنا" قال: بل نحن مغرمون، مثلما تقول: فلان مغرم بفلان، أو فلان مغرم بالشيء الفلاني، أو مغرم بفلانة، فهنا من شدة الحب يكون قد تَولَّع به، مولع، تقول: فلان مولع بفلان، ومغرم بفلان، إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بهذا الاعتبار، مُولَع بنا.

وتارة تقولون: بل نحن محرومون.

وقال عكرمة:فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ تَلاومون، وقال الحسن، وقتادة، والسدي:فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ تندمون، ومعناه: إما على ما أنفقتم، أو على ما أسلفتم من الذنوب.

قال الكسائي: تَفكّه من الأضداد، تقول العرب: تَفكهتُ بمعنى تنعمت، وتفكهت بمعنى حزنت.

قوله -تبارك وتعالى-:لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ[سورة الواقعة:65] الذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن هذه المعاني المذكورة في قوله:تَفَكَّهُونَ  ترجع إلى شيء واحد، وأنها لا تحتاج إلى ترجيح بينها،فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ، فتفكهون أصله تطرحون الفُكاهة عنكم، فإذا طرحوا الفكاهة عنهم يكون حالهم ومصيرهم الندم والحزن، فمن طرح الفكاهة عنه فإنه صار إلى حال الحزن الندم والتأسي على ما فاته والتأسف، وهكذا قول من قال: تتعجبون وهو اختيار ابن جرير أن معنى تتفكهون تتعجبون، يتعجبون مما وقع بهم وحل بهم وصار أمرهم إليه فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ۝ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ يعني تقولون: إنا لمغرمون، والمُغرَم هو الذي ذهب ماله بغير عوض،وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً فهو يعطي ليدفع التهمة عن نفسه، لكنه لا ينتظر العائدة، يعتبر أن هذا مال تالف، وهو مقطوع من قلبه، لا يحتسب الأجر، وفي المقابل وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ[سورة التوبة:99] فهنا إِنَّا لَمُغْرَمُونَ يعني: عبارات السلف التي قالوا فيها، قال: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ۝ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ[سورة الواقعة:66-67] العبارات يقول:إِنَّا لَمُغْرَمُونَ لملقون للشر، ذهب مالنا وهكذا من قال بـ معذبون يعني ذهب بذهاب مالنا، معاقبون بهذا، وكذلك أيضاً المعاني الأخرى التي يذكرها المفسرون، وهكذا القول الذي نقله هنا في معنى تَفَكَّهُونَ تندمون على ما أنفقتم فيها "تلاومون" كل هذا -والله أعلم- يرجع إلى شيء واحد فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ من فسره بهذه المعاني فقد فسره بلازمه، يعني: أصل المعنى تَفَكَّهُونَ أي: تطرحون الفكاهة عنكم، هذا إذا أردنا أن نفسره تفسيراً حرفياً، فمن طرح الفكاهة عنه فإن ذلك يلزم أن يكون قد ندم وتأسى وحزن، وهكذا قول من قال: "تلاومون"، فهم يتلاومون؛ لأجل أساهم، كما في أصحاب الجنة في سورة القلم[1]، والله أعلم.

 

  1. إشارة إلى قوله تعالى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ  [سورة القلم:30].