الثلاثاء 05 / محرّم / 1447 - 01 / يوليو 2025
أَفَبِهَٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله:أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ[سورة الواقعة:81] قال العَوْفِيّ، عن ابن عباس: أي مكذبون غير مصدقين. وكذا قال الضحاك، وأبو حَزْرَة، والسُّدِّيّ.

وقال مجاهد:مُدْهِنُونَ أي: تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم.

أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ الإدهان فسر بالكذب وفسر بالنفاق، وفسر بالإعراض، وفسر بالمدارة التي يكون فيها التنازل عن الحق، أو عن بعضه، أو قول الباطل أو فعله، فإن الفرق بين المدارة وبين المداهنة معروف، فالمدارة هي التلطف بالقول والمصانعة دون أن يتنازل الإنسان عن الحق، أو يقول الباطل، وأما المداهنة فهي أن يفعل الباطل، ويتكلم بالباطل أو يترك الحق طلباً لإرضاء الخلق فهذه مداهنة، "مدهنون" لو تأملت هذه المعاني المذكورة الآن هنا في هذه الآية: قول من قال الإعراض، ومن قال: التكذيب ومن قال: النفاق ومن قال التنازل عن بعض الحق أو نحو ذلك وجدتَ بينها ارتباطاً وهو أن هذا الإنسان المدهن الذي يكون قد أراد أن يصانع غيره وأن يداريه بالتنازل عن بعض الحق أو فعل الباطل يكون قد أظهر ما لا يبطن، ويكون معرضاً عن الحق، ويكون كذباً أو تكذيباً لهذا الذي بين يديه، وهكذا فهذه المعاني يمكن أن ترجع إلى معنى يمكن أن يكون متحداً، لكن أصل هذه الكلمة من اللين والإدهان، من اللين فهي ملاينة، ومصانعة للكافرين تتنازلون فيها عن بعض الحق؛ طلباً لرضاهم، أو تلتزمون لهم بشيء من الباطل؛ طلباً لرضاهم، فهذا كيف يقع مع عظمة هذا القرآن الذي أنزل عليكم ووضوح براهين الحق، وطهارة هذا الكتاب حيث وصفه الله بهذه الأوصاف، فكيف يقع منكم مثل هذا؟! أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ تتركون الجد والعمل والأخذ به بقوة يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ[سورة مريم:12] وتصانعون وتمالئون هؤلاء الناس على حساب الحق الذي بأيديكم، هذا هو المعنى الظاهر المتبادر بهذه الآية، وهو اختيار ابن جرير-رحمه الله-، أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ قال مجاهد: تريدون أن تمالئوهم فيه، وتركنوا إليهم، هذا معنى ما ذكرت، والله تعالى أعلم.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "ثم وبخهم سبحانه على وضعهم الإدهان في غير موضعه، وأنهم يداهنون بما حقه أن يصدع به ويفرق به ويعض عليه بالنواجذ وتثنى عليه الخناصر وتعقد عليه القلوب والأفئدة ويحارب ويسالم لأجله ولا يلتوي عنه لا يمنة ولا يسرة، ولا يكون للقلب التفات إلى غيره ولا محاكمة إلا إليه ولا مخاصمة إلا به، ولا اهتداء في طرق المطالب العالية إلا بنوره ولا شفاء إلا به، فهو روح الوجود وحياة العالم، ومدار السعادة، وقائد الفلاح وطريق النجاة، وسبيل الرشاد، ونور البصائر فكيف تطلب المداهنة بما هذا شأنه، ولم ينزل للمداهنة، وإنما أنزل بالحق وللحق، والمداهنة إنما تكون في باطل قوى لا يمكن إزالته، أو في حق ضعيف لا يمكن إقامته فيحتاج المداهن إلى أنه يترك بعض الحق، ويلتزم بعض الباطل، فأما الحق الذي قام به كل حق فكيف يدهن به؟!"[1].

 

  1. التبيان في أقسام القرآن، لابن القيم (234-235).