الإثنين 19 / ذو الحجة / 1446 - 16 / يونيو 2025
يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَٰنِهِم بُشْرَىٰكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ۝ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ۝ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ۝ فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ[سورة الحديد:12-15].

يقول تعالى مخبرًا عن المؤمنين المتصدقين أنهم يوم القيامة يسعَى نورهم بين أيديهم في عَرصات القيامة، بحسب أعمالهم، كما قال عبد الله بن مسعود في قوله:يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْقال: على قدر أعمالهم يمرون على الصراط، منهم مَن نوره مثل الجبل، ومنهم مَن نوره مثل النخلة، ومنهم مَن نوره مثل الرجل القائم، وأدناهم نورًا مَن نوره في إبهامه يتَّقد مرة ويُطفَأ مرة، ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير.

يقول:يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ النور يحمل على ظاهره النور المعروف، خلافا لمن فسر ذلك بـ "الهدى" مثلا، هُداهم يسعى بين أيديهم، أو قول من قال: إنه ثواب الأعمال، فهذا لا حاجة إليه وهو خلاف الظاهر، وهذه الآية كقول الله -تبارك وتعالى- في سورة التحريم يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا[سورة التحريم:8]، وكل هذا يدل على أنه نور يكون بين أيديهم، وقوله:وَبِأَيْمَانِهِمْ يحتمل أن يكون النور بين يديه وعن يمينه، ويحتمل أن يكون قوله:وَبِأَيْمَانِهِمْ يعني: كتاب الأعمال كما فسره به طائفة من السلف، فهم يؤتون كتابهم بأيمانهم، ويسعى نورهم بين أيديهم وهؤلاء هم أصحاب الفوز الكبير، بخلاف المنافقين الذين ينطفئ نورهم، والنصوص تدل على هذا المعنى: أعني أنه نور حقيقي يكون بحسب حالهم، بحسب إيمانهم، بحسب هدايتهم، ولا يفسر بمجرد الهدى، أو ثواب الأعمال، فهذا تأويل لا حاجة إليه، والله أعلم.

وقال الضحاك: ليس أحد إلا يُعطَى نورًا يوم القيامة، فإذا انتهوا إلى الصراط طُفئ نور المنافقين، فلما رأي ذلك المؤمنون أشفقوا أن يُطفَأ نورهم كما طُفئ نور المنافقين، فقالوا: ربنا، أتمم لنا نورنا.

وقوله وَبِأَيْمَانِهِمْ قال الضحاك: أي: وبأيمانهم كتبهم، كما قال:فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [سورة الإسراء:71].

وقوله:بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ أي: يقال لهم: بشراكم اليوم جنات، أي: لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الأنهار،خَالِدِينَ فِيهَا أي: ماكثين فيها أبدًا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ كما قال الله :يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ ۝ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ[سورة التوبة:21-22]، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ۝ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ[سورة فصلت:30-31] كل هذا يفسر قوله -تبارك وتعالى-بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ يبشرون بجنات.