الأربعاء 21 / ذو الحجة / 1446 - 18 / يونيو 2025
مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فِىٓ أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ۝ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ۝ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ[سورة الحديد:22-24].

يخبر تعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية فقال:مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ أي: في الآفاق وفي أنفسكم،إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا أي: من قبل أن نخلق الخليقة ونبرأ النسمة.

وقال قتادة:مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ قال: هي السنون، يعني: الجَدْب،وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ يقول: الأوجاع والأمراض، قال: وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ولا نكبة قدم، ولا خلجان عرق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر.

 فقول الله -تبارك وتعالى- هنا:مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا الضمير هنا الهاء نَّبْرَأَهَا هل يعود إلى الأنفس -وهي أقرب مذكور-، أو يعود إلى الأرض، أو إلى أي شيء يعود؟

هنا الحافظ ابن كثير -رحمه الله- قال:مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا أي: من قبل أن نخلق الخليقة ونبرأ النسمة،مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا أن نبرأ المصيبة، أو نبرأ الأرض، أو نبرأ الأنفس، هذه ثلاثة أقوال للسلف، كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا من أحسن ما يكون في التفسير، قال: من قبل أن نخلق الخليقة، وعلى هذا يكون الضمير يعود إلى الجميع، من قبل أن يخلق الله النفوس، ومن قبل أن يخلق المصيبة، ومن قبل أن يخلق الأرض، وكل ذلك كائن؛ لأن الله  قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، من قال: قبل أن يخلق الأرض فهذا صحيح دل عليه الحديث، ومن قال: قبل خلق النفوس فهذا صحيح، ومن قال: قبل أن نخلق المصيبة فهذا أيضاً صحيح، فعبر بهذه العبارة: من قبل أن نخلق الخليقة، فصار ذلك شاملاً للجميع، وهذا هو الأحسن في تفسيرها، -والله تعالى أعلم-، وهو اختيار الحافظ ابن القيم -رحمه الله-، وأمّا من قبل أن نبرأ النسمة باعتبار أنه أقرب مذكور فهو قول صحيح، لكن هذا أشمل منه، القول الآخر من أنه قبل أن يخلق ويبرأ النسمة هذا قال به ابن جرير.

وهذه الآية الكريمة من أدل دليل على القَدَرية نُفاة العلم السابق قبحهم الله.

يعني هؤلاء القدرية القدماء الذين انقرضوا منذ عهود متطاولة، لم يعد يقول به طائفة، وإنما القدرية تركوا هذا القول وهجروه، فصاروا إلى ما دونه، فكان أوائلهم ينفون علم الله السابق، يقول: إنه لا يعلم أفعال العباد مثلاً ما سيعملون، فهذا غاية الكفر؛ ولهذا قال من قال من السلف : ناظِروهم بالعلم، فإن أثبتوه خُصموا –إن أقروا خُصموا-، وإن جحدوا كفروا.

روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص -ا- قال: سمعت رسول اللهﷺ يقول:قدَّر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة[1].

ورواه مسلم في صحيحه وزاد:وكان عرشه على الماء[2]، ورواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وقوله تعالى:إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أي أن علمه تعالى الأشياء قبل كونها وكتابته لها طِبق ما يوجد في حينها سهل على الله ؛ لأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.

 

  1. رواه أحمد في المسند، برقم (6579)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله -عدا ابن لهيعة- ثقات رجال الشيخين، غير أبي هانئ الخولاني -واسمه حميد بن هانئ-، وأبي عبد الرحمن الحُبُلي -وهو عبد الله بن يزيد المعافري- فمن رجال مسلم. أبو عبد الرحمن شيخ أحمد: هو عبد الله بن يزيد المقرئ، وحيوة: هو ابن شريح، وابن لهيعة: هو عبد الله، وهو سييء الحفظ، لكنه متابع"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (4380).
  2. رواه مسلم، كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى -عليهما السلام-، برقم (2653).