الأربعاء 21 / ذو الحجة / 1446 - 18 / يونيو 2025
سَابِقُوٓا۟ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال تعالى:سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ والمراد جنس السماء والأرض، كما قال في الآية الأخرى:وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ[سورة آل عمران: 133].

قوله: "والمراد جنس السماء والأرض"، الجنس يعني أنها ليست سماء واحدة، بل السموات السبع، والأرضون السبع كذلك، ومن أهل العلم من قال: إنها تكون بقدرها إذا مدت السموات السبع، وهذا معنى جنس السماء، وجنس السماء يعني ليست السماء الدنيا مثلا، وإنما جنس السماء فيدخل فيه السموات جميعا، وكذلك الأرض جميعا، هذا معنى جنس السماء، يعني أن السماء مفرد أريد به الجنس.

وقال هاهنا:أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ أي: هذا الذي أهلهم الله له هو من فضله ومنّه عليهم وإحسانه إليهم، كما قدَّمنا في الصحيح: أن فقراء المهاجرين قالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدُّثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم، قال:وما ذاك؟، قالوا: يُصلُّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويُعتِقون ولا نُعْتِق. قال:أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم: تسبحون وتكبرون وتحمدون دُبُر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، قال: فرجعوا فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال ما فعلنا، ففعلوا مثله، فقال رسول الله ﷺ: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء[1].

هنا في قوله:سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ، يعني: إلى أسباب المغفرة، وكذلك وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ؛ لأن المغفرة لا يسابق إليها، وإنما إلى أسبابها، ففيه مقدر معلوم من السياق، وقوله:عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ العرب تعبر بالعرض ولا تعبر بالطول عادة؛ ليتبين به مقدار الشيء، فإذا كان هذا هو العرض عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ والطول عادة أكبر من العرض، فإذا كان العرض كعرض السماء والأرض، فكيف بطولها؟!! ومن أهل العلم من قال: جنة الواحد منهم هي بهذا المقدار؛ لأن الله قال بعده:أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وهذا يدل أيضا على أن الإنسان لا يدخل الجنة بعمله، وهنا في قوله:أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ هنا فسر الكفار بالزراع لأنه يكفر البذر، الكفر بمعنى الستر والتغطية، فهو يستره يغطيه بالتراب فالزارع يقال له: كافر بهذا الاعتبار؛ لأنه يكفر، ليس المراد بالكافر الخارج من الإسلام، لا، الكافر بمعنى الساتر يستر البذر بالتراب، والآية الأخرى في صفة أصحاب محمد ﷺ بمثلهم الذي ذكره الله في الكتب المتقدمة كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ[سورة الفتح:29].

  1. رواه البخاري، كتاب صفة الصلاة، باب من لم ير رد السلام على الإمام واكتفى بتسليم الصلاة، برقم (807)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم (595)، واللفظ له.